بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » فهمان خاطئان لعبارة ( لحوم العلماء مسمومة ) مع توضيح من الشيخ ..

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 01-06-2007, 08:29 PM   #1
اليراع الأبيض
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 712
فهمان خاطئان لعبارة ( لحوم العلماء مسمومة ) مع توضيح من الشيخ ..

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

أتمنى منكم قرآءة الموضوع كاملاً .

العبارة الشهيرة : " لحوم العلماء مسمومة " ذكرها ابن عساكر - رحمه الله - في كتابه " تبيين كذب المفتري " ( ص 29 ) ، وفهم منها البعضُ فهمين خاطئين دعاهما إلى السخرية منها ، وعدم قبولها :

الفهم الأول : أن العلماء معصومون من الخطأ ، لايُستدرك عليهم . وهذا ما لم يفهمه عاقل يعي أن العلماء بشر كغيرهم ، وإن فُضّلوا بحمل ميراث الأنبياء عليهم السلام . ولكن يكون الاستدراك عليهم بعلم وأدب .
الفهم الثاني : أن هذا يدعو إلى التهوين من غيبة غير العلماء ! وهذا أيضًا خطأ على قائل العبارة أو من يستشهد بها . ولتوضيح المقصد الصحيح من هذه العبارة ، وأنها لا تعني الفهمين السابقين ؛ أحببتُ أن أنقل كلمات متفرقة من شرح "رياض الصالحين " للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - .

- قال – رحمه الله – في شرح حديث " يا عبادي إني حرمتُ الظلم .. " : ( إن غيبة العلماء تُقلل من شأن العلم الذي في صدورهم ، والذي يعلمونه الناس ، فلا يَقبل الناس ما يأتون به من العلم ، وهذا ضرر على الدين ) . ( 2/122) .

- وقال : ( الكلام في أهل العلم جرح في العلماء وجرح فيما يحملونه من الشريعة، لأن الناس لن يثقوا بهم إذا كثر القول فيهم والخوض فيهم، ولهذا يجب عند كثرة الكلام وخوض الناس في أمر من الأمور أن يحرص الإنسان على كف لسانه، وعدم الكلام إلا فيما كانت مصلحته ظاهرة، حتى لو سئل فإنه يقول: نسأل الله الهداية: نسأل الله أن يهدي الجميع ) . ( 7/118-119) .

- وقال – رحمه الله – تعليقًا على " باب : توقير العلماء والكبار وأهل الفضل .. " : ( يريد المؤلف رحمه الله بالعلماء : علماء الشريعة الذين هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء .. وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم ، فلمن ورثهم نصيب من ذلك ، أن يُبجل ويُعظم ويُكرم .. وبتوقير العلماء توقر الشريعة ؛ لأنهم حاملوها ، وبإهانة العلماء تهان الشريعة ؛ لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس ذلت الشريعة التي يحملونها ، ولم يبق لها قيمة عند الناس ، وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم ؛ فتضيع الشريعة . فإذا استهان الناس بالعلماء لقال كل واحد: أنا العالم، أنا النحرير، أنا الفهامة، أنا العلامة، أنا البحر الذي لا ساحل له، ولما بقي عالمٌ، ولصار كل يتكلم بما شاء، ويفتي بما شاء، ولتمزقت الشريعة بسبب هذا الذي يحصل من بعض السفهاء ) . ( 3/230-232) .

- وقال : ( ثم قال صلى الله عليه وسلم "يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" والشاهد هذه الكلمة وهي أن الأنبياء يُؤذون ويصبرون، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قيل له هذا الكلام بعد ثماني سنين من هجرته. يعني ليس في أول الدعوة بل بعدما مكّن الله له وبعدما عُرف صدقه وبعدما أظهر الله آيات الرسول في الآفاق وفي أنفسهم، مع ذلك يقال هذه القسمة لم يعدل فيها ولم يُرِد بها وجه الله.
فإذا كان هذا قول رجل في صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام للنبي صلى الله عليه وسلم فلا تستغرب أن يقول الناس في عالم من العلماء إن هذا العالم فيه كذا وفيه كذا ويصفونه بالعيوب، لأن الشيطان هو الذي يؤز هؤلاء على أن يقدحوا في العلماء.
لأنهم إذا قدحوا في العلماء وسقطت أقوالهم عند الناس ما بقي للناس أحدٌ يقودهم بكتاب الله. بل تقودهم الشياطين وحزب الشيطان ، ولذلك كانت غيبة العلماء أعظم بكثير من غيبة غير العلماء، لأن غيبة غير العلماء غيبة شخصية إن ضرَّت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة، لكن غيبة العلماء تضرُّ الإسلام كلَّه ؛ لأن العلماء حملة لواء الإسلام فإذا سقطت الثقة بأقوالهم، سقط لواءُ الإسلام، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية.
فإذا كانت لحوم الناس بالغيبة لحوم ميتة فإن لحوم العلماء لحوم ميتة مسمومة لما فيها من الضرر العظيم.
فأقول لا تستغرب إذا سمعت أحداً يسبُّ العلماء! وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل فيه ما قيل، فاصبر، واحتسب الأجر من الله عز وجل واعلم أن العاقبة للتقوى
) . ( 1/255-256) .

********
نقل الموضوع من ملتقى أهل الحديث

***********
دمتم بحفظ الرحمن ..
__________________
جاهدتَ نفسكَ والنفوسُ جهادها ** إن لا يهون بعزمها الأصرارُ
.
.
قال السماء كـئيبة و تجهمـــا ** قلت : ابتسم يكفي التجهم في السماء
اليراع الأبيض غير متصل  


قديم(ـة) 01-06-2007, 08:53 PM   #2
فيتامين
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2003
المشاركات: 1,670
شكرا لك وتوضيح حلو .
__________________



" لايستطيع أحد أن يذكر قائدا عربيا واحدا كان له في ميدان النصر تاريخ إلا وهو متدين إلى أبعد الحدود , ولقد أحصيت عدد القادة الفاتحين فكانوا 256قائدا عربيا مسلما منهم 216من الصحابة و40 من التابعين عليهم رضوان الله تعالى أجمعين ."
(محمود خطاب)
فيتامين غير متصل  
قديم(ـة) 02-06-2007, 08:34 PM   #3
اليراع الأبيض
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 712
العفو أخي فيتامين ..

لقد سعدت بمرورك ..
__________________
جاهدتَ نفسكَ والنفوسُ جهادها ** إن لا يهون بعزمها الأصرارُ
.
.
قال السماء كـئيبة و تجهمـــا ** قلت : ابتسم يكفي التجهم في السماء
اليراع الأبيض غير متصل  
قديم(ـة) 08-08-2007, 10:38 PM   #4
اليراع الأبيض
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 712
للرفع ..

للتوضيح بشأن و عظم غيبة العلماء
__________________
جاهدتَ نفسكَ والنفوسُ جهادها ** إن لا يهون بعزمها الأصرارُ
.
.
قال السماء كـئيبة و تجهمـــا ** قلت : ابتسم يكفي التجهم في السماء
اليراع الأبيض غير متصل  
قديم(ـة) 09-08-2007, 12:11 AM   #5
حنين الاندلس
عـضـو
 
صورة حنين الاندلس الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
البلد: *تاج القصيم*
المشاركات: 829
فإذا كانت لحوم الناس بالغيبة لحوم ميتة فإن لحوم العلماء لحوم ميتة مسمومة لما فيها من الضرر العظيم.

شكرا لك اخي الكريم على التوضيح...
__________________
حنين الاندلس غير متصل  
قديم(ـة) 09-08-2007, 03:52 AM   #6
ميمون
عـضـو
 
صورة ميمون الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2002
البلد: UK
المشاركات: 1,683
يكفينا قول الله عز وجل .. ولا أعتقد أننا في حاجة لعبارة ابن عساكر رحمه الله ..

تحياتي
__________________
Behind every successful man, there is a woman
And behind every unsuccessful man, there are two.
ميمون غير متصل  
قديم(ـة) 10-08-2007, 02:52 PM   #7
اليراع الأبيض
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 712
حنين الأندلس /

شكراً لمرورك و تعليقك

ميمون /

نقرأ الآيات و نحفظها و لكن أين العاملون بما يقرأون ؟!

شكراً جزيلاً
__________________
جاهدتَ نفسكَ والنفوسُ جهادها ** إن لا يهون بعزمها الأصرارُ
.
.
قال السماء كـئيبة و تجهمـــا ** قلت : ابتسم يكفي التجهم في السماء

آخر من قام بالتعديل اليراع الأبيض; بتاريخ 10-08-2007 الساعة 03:42 PM.
اليراع الأبيض غير متصل  
قديم(ـة) 10-08-2007, 04:16 PM   #8
البصيرية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2004
البلد: بــــــــــــريـــــــــــــــدة
المشاركات: 383
.
.
.

اليراع الأبيض

يا كل أعضاء المنتدى

هل ممكن تجاوبون على هالسؤال :

الشيخ العبيكان و الشيخ سلمان العودة والشيخ القرضاوي و الشيخ طنطاوي والشيخ عائض القرني

بما أنهم علماء ...

هل كلهم لحومهم مسمومة أم هناك عالم لحمه مسموم و آخر غير مسموم و كيف نفرق بينهم ؟


وبعبارة أوضح ... لقد فهمنا كلام ابن عساكر لكن كيف نطبقه على الواقع ؟!!!


...................
...........
....
..
.
البصيرية غير متصل  
قديم(ـة) 10-08-2007, 04:37 PM   #9
رتوج
عـضـو
 
صورة رتوج الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
البلد: بلاد السند,,
المشاركات: 269
جزاك الله خير...

رحم الله ابن عساكر حين قال : (( أعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإيّاك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، بلاه الله قبل موته بموت القلب )).
__________________
النفس تطمع في الدنيا وقد علمت = أن السلامة منها ترك ما فيها
والله لو قنعت نفسي بما رزقت = من المعيشة إلا كان يكيفيها
والله والله أيمان مكررة = ثلاثة عن يمين بعد ثانيها
لو أن في صخرة صما ململة = في البحر راسية ملس نواحيها
رزقا لبعد براها الله لا انفلقت = حتى تؤدى إليه كل ما فيها
أو كان فوق طباق السبع مسلكها = لسهل الله في المرقى مراقيها
حتى ينال الذي في اللوح خط له = فان أتته وإلا سوف يأتيها
رتوج غير متصل  
قديم(ـة) 10-08-2007, 07:11 PM   #10
الخبوبـي
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2002
البلد: ((منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى))
المشاركات: 238
الشيخ عبدالكريم الحميد .. ومعنى قول بن عساكر رحمه الله

--------------------------------------------------------------------------------

قال الحافظ >>ابن عَسَاكِر<< رحمه الله : ( واعْلَمْ يَا أخِي – وَفَّقَنَا اللهُ وَإيَّاكَ لِمَرْضاتِهِ ، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يَخْشاهُ ويَتَّقيه حَقَّ تُقَاتِهِ – أَنَّ لُحُومَ العُلَماءِ مَسْمُومَةٌ ، وَعَادةُ اللهِ في هَتْكِ أسْتَارِ مُنْتَقِصِيهِمْ مَعْلُومَةٌ ، لأنَّ الوَقِيعَةَ فِيهِمْ بِمَا هُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ أمْرُهُ عَظِيم ٌ ، والتَّناوُلُ لأعْراضِهِم بالزُّورِ والافْتِراءِ مَرْتَعٌ وَخيمٌ ، والاختِلاقُ عَلَى من اخْتارهُ اللهُ مِنْهُم لِنَعْشِ العِلْمِ خُلُقٌ ذَمِيمٌ ) انتهى ([1]) .

وفيما يلي سأوَضِّح المقصودَ بِهَذا الكلام :

1- يريد >>ابن عَسَاكِر<< -رحمه الله – بـ ( العُلَماء ) أنهم الذين يستحقُّون أن يُسَمَّوا ( علماء ) ، وهم الذين وصفهم بأن الله اختارهم لِـ ( نَعْشِ العِلْم ) ؛ يعني القيام به ، وبيانه ، والذبِّ عنه ، ليس من تَمَعْلَم وسُمِّي بـ ( العالِم ) كحال كثيرين من أهل زماننا ! .
2- قوله : ( بما هُمْ مِنْهُ بَراءٌ ) ، وقوله ، : ( بالزُّور والافْتِراء ) ، وقوله : ( والاختِلاقُ ) يُبَيِّن المراد وأنَّه القول فيهم بالكذب عليهم ، فهذا هو المحذور .
3- لا يعني كلامه هذا غلق الباب عن الكلام في العلماء إذا دعت الحاجة لذلك وحَسُنَ القصد في ذلك كما في كتب ( الجرح والتعديل ) والتراجم ومما يُؤثَر عن العلماء كلامهم في زلَّات بعضهم ، بل هذا دين يُدَان الله به ، وذلك بشروطه ليس للثَّلب والاستطالة وإسقاط منزلة العالم وإلا فكيف يحفظ الدين إذا لم تُبَيَّن الأخطاء ؟! .
4- ولا يعني كلام >>ابن عَسَاكِر<< أيضاً أن لحوم العلماء ليست مسمومة بالافتراء عليهم ، وغِيبتهم وبهتهم ، وإنما معنى كلامه أنّ العلماء الذين وصَفَهم غيبتهم أعظم من غِيبة غيرهم لمقامهم من الدِّين ولأن الله أغْيَرُ لهم مِمَّن ليس في مقامهم ، أمّا ذمُّ الغِيبة والوعيد عليها فعامٌّ للعلماء وغيرهم .
5- إنَّ من المعلوم من عموم وجملة الشريعة وواجباتها هو النصح لله ولرسوله y ولأئمة المسلمين وعامَّتهم ، فهل من النُّصح السكوت عن أخطاء العلماء ؟! ، بل هذا غِشٌّ وخيانة ، ولو عُملَ به لتلاشى الدّين واضمحلَّ ! .

بل بيان زلاََّتهم من النصح لهم لِيَقِلَّ أتباعهم ومقلِّدوهم في خطئهم ، ولعلَّهم هم يرجعون إلى الصواب ، وذلك من النُّصح للأمة حتى لا تضِِلَّ بزلات من ليسوا بمعصومين .

6- وإذا كان هذا هو الصحيح في بيان أخطاء من يستحقُّون أن يُسَمَّوا علماء حفظا للدين ونصحا للمسلمين فكيف يكون حال من يتَسَمَّون بالعلماء وآفاتهم على الدين وضررهم على المسلمين ظاهر بيِّن ؟! ؛ لا ريب أنَّ من يجادل عن هذا الصنف أنَّه في أحسن الأحوال مُغرِقٌ في الجهل ! ، وإلا فهو من الغاشِّين للأمة الملبِّسين على الناس دينهم ! .
7- لو سُبِرَت أحوال هذا الصِّنف لَوُجِدَ حين يُنالُ من عرضه أو يُبخسُ في ماله أو يُخالَفُ في هواه مخالفا لأصله الجاهلي الذي أصَّله ، فتجده يحامي ويعادي ، فما بال الدِّين يُغَطَّى على انتهاك حُرُماته بكلام لـ >>ابن عَسَاكِر<< فُهِمَ على غير مراده ! .

وللإمام >>ابن القيم << - رحمه الله – كلام نفيس في ذلك قال فيه : ( وَأيُّ دينٍ وأيُّ خَيْرٍ فِيمَنْ يَرَى مَحَارِمَ اللهِ تُنْتَهَكُ ، وَحُدودَهُ تُضاعُ ، ودينَهُ يُتْرَكُ وسُنَّةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرغَبُ عَنْها وهُوَ بَارِدُ الْقَلْبِ سَاكِتُ اللِّسانِ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ ؟! ، كَمَا أنَّ المُتَكَلِّمَ بِالْباطلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ .
وهَلْ بَليِّة الدِّينِ إلا مِنْ هَؤُلاءِ الَّذينَ إذَا سَلِمت لَهُم مَآكِلُهُم وَرياساتهم فلا مُبالاة بِمَا جَرَى عَلَى الدِّين ؟! وَخِيارُهُمُ الْمُتَحَزِّنُ الْمُتَلَمِّظُ ، وَلَو نُوزِعَ في بَعْضِ مَا فيه غَضَاضَة عَلَيهِ فِي جَاهِهِ أو مالِهِ بَذَلَ وتَبَذَّلَ وجَدَّ واجْتَهَد ، واسْتَعْمَلَ مَرَاتِبَ الإنْكارِ الثَّلاثَة بِحَسَب وُسْعِه ؛ وَهَؤلاءِ – مَعَ سُقُوطِهِمْ منْ عَيْن اللهِ وَمَقْتِ الله لهم- قَدْ بُلُوا في الدُّنيا بأعْظَمِ بَليَّة تَكونُ وهُمْ لا يَشعُرون ، وَهُوَ مَوْتُ الْقُلُوب ؛ فإنَّ القلْبَ كُلَّما كانَتْ حَيَاتهُ أتَمَّ كَانَ غَضَبُهُ للهِ ورَسولِهِ أقْوى ، وانْتِصارُهُ للدِّينِ أكْمَلُ ! ) انتهى ([2]) .

8- ولو جُمِعَ كلام العلماء في هذا الموضوع لجاء مؤَلَّفا ضخماً ، وتكفي كتب ( التعديل والجرح ) للأئمة – رحمهم الله - ، فبهذا التفصيل يتبين الفرق بين الغِيبة المذمومة والنصيحة الواجبة .

9- أما تفسير النبي y الغِيبةبأنها ( ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ ) ([3]) فهذا خارج عن الأخطاء في الدِّين ، لأنَّ أخاك حقيقة لا يكره بيان خطئه في الدين ، بل يَوَدُّ أن يُبَيَّنَ لِئلا تَضِلَّ الأمة بسببه ؛ ومن فهِمَ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا أنه مطلق بحيث لا يُذْكَرَ أحدٌ فهو قد أُتيَ من سُوءِ فهمه أو من سوء قصده ، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر من زلَّ وأخطأ ، كذلك الصحابة –رضي لله عنهم- ، ومن بعدهم مِمَّن يُقتدى بهم ذكروا من أخطأ حفاظاً على الدين ونصيحة للمسلمين .

فهل يُفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الغيبة : ( ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ ) أنَّ من أخطأ في الدين لا يُذكر؟! ، هذا فَهْم سوء .

10- وأخيرا لو عُمِلَ بمفهوم بعض الناس في الغيبة بأنَّ لحوم العلماء مسمومة مطلقا فلك أن تتصوّرَ ما الذي يبقى من الدين إذا جُعِلَ العلماء في مقام المعصومين ؟! .

هذا كلام مختصر وعلى عُجالة ، وليس هو في بحث الغِيبة عموماً ، وإنما هو مناقشة لكلام >>ابن عَسَاكِر<< - رحمه الله- حيث يفهمه كثيرون على غير المراد ويحتجُّون به لأهوائهم أو لجهلهم .

قال شيخ الإسلام << ابن تيمية >> -رحمه الله- : ( وقَاَلَ بَعْضُهُم لـ << أحْمَدَ بن حَنْبَل >> : أنَّهُ يُثْقِلُ عَلَيَّ أنْ أقُولَ فُلانٌ كَذَِا وفُلانٌ كَذَا ! ، فَقَال : " إذَا سَكَتَّ أنْتَ وسَكَتُّ أنا فمَتَى يَعْرِفُ الْجَاهِلُ الصَّحيحَ منْ السَّقيمِ ؟! " ؛ وَمِثْلُ أَئِمَّة الْبِدَع مِن أَهْلِ المَقالاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتابِ والْسُّنَّةِ أو العِبَاداتِ المُخَالِفَةِ للكِتابِ والْسُّنَّةِ ، فإنَّ بَيَانَ حالِهِم وتَحذِيرَ الأُمَّةِ مِنْهُم وَاجبٌ باتِّفَاقِ المُسْلِمينَ حتَّى قِيْلَ لِـ << أَحْمَدِ بن حَنْبَل >> : الرَّجُلُ يَصومُ ويُصَلِّي ويَعْتَكِفُ أَحَبُّ إليكَ أوْ يَتَكَلَّمُ في أهْلِ الْبِدَع ؟! ، فَقَال : " إذا قَامَ وصَلَّى واعْتكَفَ فإنَّمَا هُوَ لِنَفْسِه ، وإذا تَكَلَّمَ في أهْلِ الّبِدَعِ فإنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمين هَذَا أفْضَلُ " .
فَبَيَّنَ أنَّ نفْعَ هذا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ في دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الجِهَادِ فِي سَبِيْلِ اللهِ ؛ إذْ تَطهِيرُ سَبِبيلِ اللهِ وَدينِهِ ومَنْهَجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعُ بَغْيِ هَؤُلاءِ وَعُدوانِهِم عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ على الكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ المسْلِمينَ وَلَولا مَنْ يُقيمُهُ اللهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هؤُلاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وكَانَ فَسَادُهُ أعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتيلاءِ العَدُوِّ مِنْ أهْلِ الْحَرْبِ ؛ فإنَّ هؤلاء إذا اسْتَولَوا لَمْ يُفسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنَ الدِّينِ إلا تَبَعاً وَأمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدونَ الْقُلُوبَ ابتِداءً ! ) انتهى ([4])

ويقول << الحسَن البصْري >> -رحمه الله- : ( ثَلاثَةٌ لَيْسَتْ لَهُمْ حُرْمَةٌ فِي الغِيبةِ : فَاسِقٌ يُعْلِنُ الفِسْقَ ، والأمِيرُ الجائِرُ ، وصَاحِبُ البِدْعَةِ المُعْلِنُ البِدْعَة ) انتهى ([5]) .

وموضوع الغيبة المذمومة والفرق بينها وبين النصيحة وتحذير المسلمين مما يفسد الدين – كما تقدَّم – بيَّنها العلماء مثل قول << ابن القيم >> -رحمه الله- : ( والفَرْقُ بَيْنَ النصيحة والغيبَة أنَّ النصِيْحَةَ يَكُونُ القَصْدُ فِيهَا تَحْذيرُ المُسْلِمِ مِنْ مُبْتَدِعٍ أوْ فَتَّانٍ أوْ غاشٍّ أوْ مُفْسِدٍ ، فتَذكُرُ مَا فيهِ إذا اسْتَشَارَكَ في صُحْبَتِهِ وَمُعامَلَتِهِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ كَمَا قال النَّبيٌّ صلى الله عليه وسلم لِـ << فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ >> - وَقَدْ اسْتَشارَتهُ في نِكاحِ << مُعَاوية >> وَ << أبي جَهْمٍ >> فَقَال : " أمَّا << مُعَاويَة >> فَصُعْلُوكٌ ، وأمَّا << أبُو جَهْمٍ >> فَلا يضَعُ عصَاه عَن عاتِقِه " ، وقَالَ بَعْضُ أصْحابِهِ لِمَنْ سَافَرَ معَهُ : إذَا هَبَطْتَ عَنْ بلاَدِ قَوْمِهِ فاحذَرْهُ .
فإذَا وَقَعَتِ الِغيبةُ على وجْهِ النَّصيحَةِ للهِ وَرَسولهِ وَعِبَادهِ المُسلِميْن فَهيَ قُرْبَةٌ إلى اللهِ مِن جُمْلَةِ الحَسَنَاتِ .
وإذا وقَعَت عَلَى وجْهِ ذَّمِّ أخيكَ وتَمْزيقِ عِرْضِه والتَّفَكُّه بِلَحْمِهِ والغضِّ منه لِتَضَعَ مَنْزِلَتَهُ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ فهيَ الدَّاءُ العُضالُ ونارُ الحَسَناتِ التي تأكُلُها كَمَا تأكُلُ النَّارُ الحَطَب ) انتهى ([6]) .

وقال << النَّوَويُّ >> -رحمه الله – في أحكام الغيبة : ( ومِنْ ذلكَ إذا ذَكَرَ مُصنِّفٌ كِتابَ شخْصٍ بِعينِهِ قائلاً : " قالَ فُلانٌ كَذَا .. " مُريداً بذلك تَنْقيصَه والشَّناعةِ عَليهِ فهوَ حَرامٌ ، فإن أرادَ بَيَان غَلَطِهِ لِئلا يُقلَّدَ أوْ بَيَانَ ضَعْفِهِ في العِلْمِ لِئلا يَغْتَرَّ بِهِ ويُقبَلَ قَولُهُ : فَهذا لَيسَ غِيبةً ، بلْ نَصيحةٌ وَاجِبَةٌ يُثابُ علَيهَا إذَا أرَادَ ذَلِكَ ) انتهى ([7]) .

فتأمَّل قول << ابن القيم > > - رحمه الله : ( قُربَةٌ إلى اللهِ مِنْ جُمْلَةِ الحَسَناتِ ) ، وقول << النَّوَوِي >> - رحمه الله- : (بلْ نَصيحًةٌ وَاجِبَةٌ يُثابُ علَيهَا إذَا أرَادَ ذَلِكَ ) تعلم خطأ من يجعل الغيبة باباً واحداً منهيِّاً عنه دون بيان الفرق الذي يذكره العلماء – كما تقدَّم من كلام << أحمد > > و << ابن تيمية >> و << الحسن > > -رحمهم الله- ، والذّبِّ عن الدين بذكر المنحرفين ؛ وهذا غلطٌ ظاهِرٌ .

وبعض الناس يحتجُّ بما ورد في ذمِّ ( الغيبة ) من القرآن والسنة وكلام العلماء مثل كلام << ابن عساكر>> - المتقدِّم – ونحوه إذا خالف هواه وبُيِّنَ أمر متبوعه ومقلِّدهِ ، أمّا غير ذلك فله مكيال آخر ! .

ولذلك قيل لبعض العلماء عن رجل أنه إذا ذكر عنده أهل البدع قال : دعونا منهم ، فقال : ( لاَ يَغُرُّكُم ! هُوَ مِنْهُم ) ، وصَدَقْ فهذا الصِّنف لا غيرة عنده على دين رب العالمين ، وفيه دَغَل ! ؛ وما دام الأمر كذلك فكيف لا يُذْكَرُ من يأمرون بتحكيم القوانين ويُقِرُّون الديمقراطية الكافرة ويهنِّئون أهلها ويسمُّون ذلك فوزاً ويأمرون بالانتخابات وسُنن أهل الكتاب الكافرة الضَّالة المضلَّة ؟! ، بل هذا كفرٌ أمر به << العودة >> الفلسطينيين وهنَّأهم عليه وأقرَّهم عليه << العمر >> - نعوذ بالله من الضَّلال - .

والحقيقة أن هؤلاء تعلموا علم التوحيد نظريَّاً كما هو شأن التعاليم الحادثة إذ أنَّ فيها تحصيل العلوم نظريَّاً دون شرط العمل ! ، ومعلوم أن هذا لا يعطيهم فرقاناً ، ولا يثمر لهم أوثق عرى الإيمان الذي هو ( الحب في الله ، والبغض فيه ) مع ما يضاف إلى آفاتهم من تخليط العلوم ، وطلب الدنيا بالدين – كما تقدّمَ بيانه - ؛ ولذلك يحسِّنون كثيرا من القبيح ، ويقبِّحون الحسن ، ويشاركون في الشاشات الحادثة ، وغير ذلك مما أحدث لبساً على كثير من الجهال فدخلوا مداخل الضلال ؛ والأمر ليس خاصاً بهؤلاء الذين كم من قبيح حسَّنوه وكم من حسن قبَّحوه ! ؛ وإنما أشباههم كثير – لا كثَّرهم الله –ممن فُتِنوا بمعاداة المجاهدين الموحِّدين وتسميتهم بـ ( إرهابيين ) و ( خوارج ) و ( مُفْسدين ) ونحو ذلك ؛ وبالمقابل تجد مباركتهم لـ ( الديمقراطيين ) المنحرفين من أمثال ( حَمَاس ) ! ؛ وبما أنَّ هؤلاء قد ملئوا الدنيا وأشغلوا الناس بذلك . أ.هـ



--------------------------------------------------------------------------------

[1] ) >>تبيين كذب المفتري<< ، ص ( 49 ) .

[2] ) >> إعلام الموقِّعين<< ( 2176/) .


[3] ) أخرج مسلم في >>صحيحه<< برقم ( 2589) عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله y( أتدرون ما الغيبة ؟! ) قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ فقال y : ( ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَه ) ، قيل : أفرأيتَ إن كان في اخي ما أقول ؟! ؛ قال : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبْتَه ، وإن لم يكن فيه فقد بَهتَّه ) .

[4] ) << مجموع الفتاوى >> ، ( 28 / 231-232 ) .

[5] ) أخرجه البيهقي في << شعب الإيمان >> برقم ( 9669 ) .

[6] ) << الروح >> ، ص ( 240 ) .

[7] ) << الأذكار >> ، ص ( 338 ) .
__________________
والله لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا أسامة والله لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا أسامة ..

أنا ضد أمريكا و لو جعلت لنا :: هذي الحياة كجنة فيحاء
أنا ضد أمريكا و لو أفتى لها :: مفت بجوف الكعبة الغراء
أنا معْ أسامة حيث آل مآله :: ما دام يحمل في الثغور لوائي
أنا معْ أسامة إن أصاب برأيه :: ..............................
أنا معْ أسامة نال نصرا عاجلا :: أو حاز منزلة مع الشهداء

الخبوبـي غير متصل  
قديم(ـة) 17-08-2007, 08:36 PM   #11
اليراع الأبيض
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 712
البصيرية /

رعاك المولى لعل في كلام الشيخ / ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ إجابه لسؤالك ..

فأرجو منك إعادة القراءة بتمعن أخي الفاضل

و شكراً لمرورك البهي

.
.

رتوج /

و جزاك بمثله

وشكراً جزيلا لإشراقتك
.
.

الخبوبي /

جزاك الله خيراً و نفع بك

و أشكرك على إضافتك المثرية

دمت سامقاً
__________________
جاهدتَ نفسكَ والنفوسُ جهادها ** إن لا يهون بعزمها الأصرارُ
.
.
قال السماء كـئيبة و تجهمـــا ** قلت : ابتسم يكفي التجهم في السماء
اليراع الأبيض غير متصل  
قديم(ـة) 17-08-2007, 09:12 PM   #12
مؤمن آل فرعون
كاتب متميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2005
المشاركات: 320
وحتى لا يلتبس الفهم على البعض غيبة العلماء من حيث الإثم كغيبة عامة الناس لا يختلفون والآية والحديث تشمل جميع المسلمين ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الصحابة مع وجود فقهاء منهم ، لكن المعنى من حيث ما يترتب على غيبتهم من طعن في الدين وفي ما يحملونه وذهاب قناعة الناس في علمهم .

بورك في الكاتب وفي من شارك وأفاد
__________________
واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله
مؤمن آل فرعون غير متصل  
قديم(ـة) 18-08-2007, 12:51 AM   #13
المتزن
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2002
البلد: بريدة
المشاركات: 2,071
طيب :

وهل ينطبق هذا الكلام على غيبة الحكام ( ولاة الأمر ) ؟؟!!

مجرد تساؤل ( من لم يقتنع بعد بهذا الحصر والتمييز ) .


وتقبلوا تحياتي 00
المتزن
__________________
في المجتمع المريض الاستشهاد بالرجال أولى من الاستشهاد بالأدلة والأفكار !!



المتزن غير متصل  
قديم(ـة) 19-08-2007, 03:09 PM   #14
اليراع الأبيض
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 712
مؤمن آل فرعون /

شكراً جزيلا على توضيحك

و إن كنت أخالفك الرأي

دام سناء تواجدك

.
.

المتزن /

لعل فيما لُون بـ ( الأحمر )

جواباً لسؤالك

[ لأن غيبة غير العلماء غيبة شخصية إن ضرَّت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة، لكن غيبة العلماء تضرُّ الإسلام كلَّه ؛ لأن العلماء حملة لواء الإسلام فإذا سقطت الثقة بأقوالهم، سقط لواءُ الإسلام، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية. ]
__________________
جاهدتَ نفسكَ والنفوسُ جهادها ** إن لا يهون بعزمها الأصرارُ
.
.
قال السماء كـئيبة و تجهمـــا ** قلت : ابتسم يكفي التجهم في السماء
اليراع الأبيض غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:04 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)