بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » حيث يوم عيد.. توقفت بسمة حائرة..!

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 13-10-2007, 05:36 PM   #1
النادم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 434
حيث يوم عيد.. توقفت بسمة حائرة..!

بسم الله الرحمن الرحيم

لم تكد شمسُ الأول من شوال ترتفع شاقّةً حُجُب الأفق، لتعلن بزوغ ذلك الصباح الأغر، حتى كانت الناس صفوفًا متراصة في مصليات صلاة العيد وجوامعها المتناثرة على اتساع رقعة البلد.

وثَمَّ؛ في أحد المصليات النائية عن العمران، كان صاحبنا واحدًا في مئاتٍ احتشدت لحضور ذلك المشهد المهيب، الذي لا يتكرر إلا مرتين في يومين من بين ثلاثمئةِ يومٍ وزيادة.

الطريق البعيدة إلى المصلى لم تلهِهِ عن ذلك الهاجس الذي شغل باله طوال الليل، فلم يغمض له جفن، ولا غفت له عين، وبات متقلبًا في فراشه، يتأمل السقف تارة، ويحملق في عداد الثواني في ساعته تارة أخرى، وهو في كل ذلك شارد الذهن، شرود الهارب الذي لا يعرف غايته، فهو يذهب ويعود هنا وهناك بلا هدف.

لقد كان هاجسُهُ يزوره لحظةً، فيومئ برأسه بحركة سريعة يمينًا وشمالاً، راجيًا طرد ذلك الهاجس، حتى إذا ما اطمأن إلى ذهابه عنه، واستروح إلى الفكاك منه، عاودهُ ذلك مرةً أخرى، فعاود هو ذلك مرةً أخرى!

- عونك ربِّ! كيف سأواجه هؤلاء الأطفال الذين يبيتون عندنا غدًا يوم العيد؟! كيف سأصُفُّ حروفي إذا سألوني: أين بابا؟! ولمَ لم يأتِ ليشاركنا عيدنا؟!

نفض رأسه بسرعة، وأغمض عينيه متمتمًا:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

أفاق صاحبنا من سيل أفكاره على صوت الإمام ينبّه بصوته الضخم الذي أرهقته السنون بالتهدّج، كما أرهقت رأسَهُ بالشيب:
- استووا، سووا صفوفكم وتراصوا وسدوا الخلل.

واصل الإمام تسويته للصفوف، ونصح بإغلاق أجهزة الجوال، وذكر أن المساجد لم تجعل للجوالات، واستدل على ذلك بحديثٍ نبوي، وبيّن وجه الاستدلال منه، حيث قاس إزعاج الجوالات على ما جاء في الحديث، ثم أكّد على عظم الخطأ إذا كانت النغمات موسيقية!!

نبست شفتا صاحبنا المرهق من أرق البارحة:
- هذه خطبة، أم تسوية صفوف؟!

كان يعرف أهمية هذا التنبيه، إلا أنه لم يكن يشك أن مكانه -بهذه الصورة- ليس هذا، فضلاً عن الإطالة فيه.

ما إن شرع الإمام في فاتحة الكتاب، حتى أخذه البكاء والخشوع، فأكمل بالكاد قراءته، ولازمه ذلك في قراءته في ركعتي صلاة العيد كليهما.

دارت هواجس صاحبنا من جديد..
- أليس اليوم يوم فرح وسرور، وضحك وحبور؟! ألم يقل الشيخُ البارحة هذا في المسجد، ويوصِنا بالفرح والاستبشار يوم العيد؟! فما بال إمامنا هذا يفْجَؤنا بهذا الحزن والبكاء؟!
- آه، ربما كان حزنًا على فراق شهر رمضان!
- حتى ولو كان، له أن يحزن، إلا أن في طريقته هكذا نظرًا!

ومرة أخرى، قطع حبل أفكاره سلام الإمام من الصلاة، فسلّم مستعيذًا بالله من الشيطان الرجيم، متحسرًا أنْ غالَبَهُ الشيطان على صلاته، فغلبه.

تنهّد تنهيدة طويلة..
- كيف مرّ هذا الصباح عليّ؟! لقد كان الأمر غريبًا!
، ، ،
التمّ شمل الأسرة بعد صلاة فجر يوم العيد، وتحلقوا حول بعض تمراتٍ وفناجين من القهوة، كي يحظوا بأجر سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في أكل تمرات قبل الخروج لصلاة العيد.

- أهلين حبيبتي! أرأيتِ، جاء العيد! سنذهب الآن لصلاة العيد!

ردت الصغيرة:
- نعم نعم، أنا أحب العيد جدًا، أحبه أكثر منك!

افترَّ ثغرُهُ عن ضحكة عفوية، في حين أحس بغمزة في قلبه، أعادت إليه هاجس البارحة..
- إييييه.. الحمد لله أنها لم تقل شيئًا، وإلا لكنتُ الآن في حالٍ أخرى!

- الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أعلن الإمام بدء خطبة العيد بهذه الكلمات، فأعاد صاحبَنا مرة ثالثة إلى حيث هو هناك.

- يا لهذه الهواجس التي زاحمتني هذا الصباح!

لم يستمر إمامهم في خطبته طويلاً، حتى عاودته نوبة الخشوع والبكاء ثانية، فصار لا يتم ثلاث جمل، إلا توقف باكيًا، وصاحبنا يعيد تفكيره في الحوار الذي أداره قبل قليل في هذه المسألة!

بقي متململاً، حتى دلف الخطيب إلى صُلب خطبته، فابتدأ بوصف القبر وعذابه، والحساب وشدته، والميزان، والصراط، والنار، والجنة...!!

- يا إلهي! أهذا موضوع خطبة عيد؟!

حدثته نفسه أن يغادر المصلى غيرَ مرّة، لكنه تحامل على نفسه، راجيًا أن ينال أجر الحضور والإنصات، وأن يشارك المسلمين دعاءهم.

دارت عيناه الحمراوان من أثر سهر البارحة، اللتان كاد جفناهما أن ينطبقا، على حضور الخطبة أمامه وعن يمينه وشماله، فلم يلقَ إلا ملامح الفرح والحبور صارخة في كل وجه، وفي كل لبس جديد لبسه الصغار والكبار على حدٍّ سواء، فحدّث نفسه حنقًا..

- هلاّ قدّر خطيبنا هذه الأرواح التي جاءت فرحة مسرورة متلهفة إلى هذا المكان، فلم يأتِ بما أتى به!!

صحيحٌ أن الخطبة استغرقت ساعة ونحوًا من الخمس دقائق!، إلا أن تمتمات صاحبنا استمرت تتردد في نفسه، حتى انتهى الخطيب، وقد احترّت الشمس وارتفعت في السماء!
، ، ،
لما ألقى جسدَهُ المنهكَ على فراشه، جعل ظهر يمناه على جبينه، وركز عينيه في السقف.

كانت حبيبتُهُ صباحًا تضحك ملء فمها، وأخوها الأصغر كذلك، لما رأياه يدفع اللعبة التي حصلا عليها من إحدى المُسنّات في المصلى، فيرفعها إلى الأعلى، وتبقى قليلاً طائرةً، ثم ما تلبث أن تسقط على الأرض، فيضحك، ويضحكان لضحكه.

كان مستعدًا لفعل أي شيء، كي يدخل السرور على قلب هذين الصغيرين، ويزرع البسمة على شفتيهما، لينسيهما طعم الفقد المُرّ، الذي كان يتجرعه هو نيابة عنهما.

ومرّ من أمام عينيه -بينما كان يستعرض أحداث اليوم- شريط صلاة العيد وخطبته في ذلك المصلى، وعادت أفكاره وهواجسه التي راودته إذ ذاك؛ تراوده مرة أخرى.

ومن دون أن يشعر؛ أخذ لسانُهُ يبعثر بعض الحروف، وبالكاد كان يصل صوتُها إلى أذنه، وما زالت عيناه معلقتان في السقف..
- بالله؛ كيف اغتيلت سعادة عيدي وبهجته، حتى توقفت فيه بسمتي تنتظر حائرة؟!
، ، ،
..عيـدكم سعيـدٌ مبــارك..

،النادم،
2/10/1428
__________________

كثرت ذنوبي ، فلذا أنا نادم .
أسأل الله أن يتوبَ عليَّ ، ويهديَني سبيل الرشاد .
وما أملي إلا ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ .

أبو عبد الله
النادم غير متصل  


قديم(ـة) 13-10-2007, 06:16 PM   #2
صافي النية
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2007
البلد: بين أحضان غرفتي الهادئة ..
المشاركات: 2,148
مشكور ع الموضوع الجميل.....ربي يعافيك

كل عام وانتم بخير..
صافي النية غير متصل  
قديم(ـة) 13-10-2007, 08:22 PM   #3
أبو عمر القصيمي
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بريدة ، دومة الجندل
المشاركات: 1,457
ما شاء الله
لا أكاد أصدق ، الحمدلله على عودتك الحميدة يا أبا عبدالله ، لقد طال الغياب ولكن العودة رائعة جداً ومبكية تصف أحوال الكثير من أمثال صاحبك هذا .
بعضهم في الحبس وبعضهم تحت الثرى وبعضهم في المشفى وو...
لكن لنتذكر جميعاً أن الله عز وجل أرحم منا جميعاً بعباده فلله الحمد من قبل ومن بعد .
__________________
قال صلى الله عليه و سلم:(( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ العلى العظيم ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاتُهُ )) رواه البخاري .تعارَّ من الليل : أي هبَّ من نومه واستيقظ . النهاية .
أبو عمر القصيمي غير متصل  
قديم(ـة) 13-10-2007, 11:14 PM   #4
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
أهلا وسهلا بأبي عبدالله.. ومرحبًا كذلك، ارسم الابتسامة يا صاحبي، وتغافل عن أمورٍ يؤزك على تحليلها الفكر ليستفزك؛ فيحيل انتعاش العيد إلى جفاف وروتين سنوي، وتريك ابتسامات خلق الله غطاءً يشفّ عما تحته من ضيق نفس.. وخلق، هذا من استفزاز الفكر وإزعاجه.

كل عام وأنت بخير، وفقك الله تعالى.
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 04:45 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)