بريدة ستي

بريدة ستي (http://www.buraydahcity.net/vb/index.php)
-   ســاحـة مــفــتــوحـــة (http://www.buraydahcity.net/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   لا بــدّ من عــرفـــــــات . . (http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=78030)

أبـو خـبـيـب 08-05-2007 02:31 PM






( 7 )




اسـتــراحـة طـويـلــة








" بـحــيــــرة تــشـــاد " . .

تـعـتـبـر هــذه البحيــرة ثانــي أكبـر بحيرة في أفـريقيـا ! إذ يبلغ طـولهـا أربع مئة كيلو متر تقريباً . . !

ضخمـة للغايــة . . أليس كذلكـ . . ؟


ولكـ أن تتخيلهـا لو كـانـت بين الريــاض والقصيم !

ستملأ المسافـة وزيــادة !:D

وسَـيُـمَـتِّـعُ المســافـر الكريـم من إحدى المنطقتين إلى الأخـرى نـاظـريه بهـذه البحيـرة التي

ستمتد علـى طــول الخـطّ الـسَّـريــع ! !



ويطلّ على هذه البحيرة أربعة دول ! !

وهي : النيجر ، ونيجيريا ، والكاميرون ، وتشــاد.




ومن عـجـــائــب هـذه البحيرة أن فيهـا جزراً متحـركـة !

نعـم . . تطفو علـى الماء !


وهـذه الجزر ليست صغيرة ، بل كبيرة ، وكبيرة جداً في بعض الأحيـان ،

وهي تقترب مرّة من الكاميرون ، ومرّة من نيجيريا ، ومرة من تشاد ، وهكذا . . .


ويصعــد عليهــا النّــاس للتجوال ، ولكنهمـ لا يبنون عليها ، لأن أرضيتهـا لا تصلح للبنــاء . .

فـهــذه الجـزر مجـرّد طـحــالـب اجتمعت ، وغـطّـتـهـا الأتربـة مع الزمن . . !


فـعــلاً . . عـجـائب الدنيـا لا تنقضي . . فسبحـان الله . . !








دعـونـا نعــود إلى ما كنـا فيه . . و . . أين كنا ؟ ؟


نعمـ . . لقد كان أبو بكر يتحدث . .





عبرنــا أنا وموسى من خلال هذه البحيرة إلى " تشــاد " ، وعند وصولنا للأراضي التشادية لم تكن

لدينـا أية فكــرة عما يجب علينا فعلـه .



لم يكن المبلـغ الذي معنـا كـافـيـاً لمواصلـة الـمـســيــر لـفـتـرة طـويـلــة ، ولــذا . . قـرَّرنـا المـكـــوث

قليلاً فـي " تـشـــاد " لإصلاح وضعنـا المـادي .



بــدأنــا بـاصطيــاد الأسمـاكـ عـنـد البـحـيـرة ، نـأكـل منهـا ما يقيم صلبنـا ،

ونبيـع البـاقي إن كـان هنـاكـ فـائض!



كـان العـام الثالث على خـروجنـا من " السنغــال " قـــد مــضـــى . . ! وحتى تلكـ اللحظة ،

لم نـكـن نـعـــرف أي شيء عــن أهـلــنــا ، ولا هم كذلكـ بطبيعـة الحــال.



ومن خلال عملنـا في صيد الأسمـاكـ عـرف النـاس أننا نتقن اللغـة العربية ونقـرأ القـرآن . .

وعـرضـوا علينـا عندهـا تعليم أبنــائهمـ مقـابـل أجــر . . ووافـقـنـا مـبــاشـرةً .


كـانـت الخـطّـة واضـحــة في أذهــاننـا ، سنجمـع بعض المـال ، ثم نواصل المسير . .


لكن . .



تجــــري الـرِّيــاح بما لا يشتهي السَّـفِـنُ . . !






مكثنـا هنــا في " تشــاد " طويلاً ، حتى إن الأهـالي هنـا قـد زوجونـا من بناتهمـ ، ولا أدري إن كـان

ذلكـ حرصـاً منهمـ على استقرارنا أما ماذا ؟

واستقرّ بنـا المقــام هنـا . . ثلاث سنوات أخرى حتى هـذه اللحظة ! ! !





ولا أدري الآن . . هل سنتمكن من الحجّ بعـد هـذه السنوات الستّ أم لا ؟





لست متأكداً ، لكن ما أنــا متأكدٌ منـه . . هــو أنني لن أعـــود إلى " السنغـــال " إلا وقــد حججت ! !


.

.


.

* * * * *

أبـو خـبـيـب 08-05-2007 02:35 PM

لا تبتعدوا . .


فما زال للأحداث بقية . . ! !

.

.

أبـو خـبـيـب 11-05-2007 08:43 PM





( 8 )





نـحـــو " الحـديــدة "





الشيخ محمد يتحدث :






يــا إلهـي . .

مـاذا يقــول هـذا الرجــل ؟ ؟



يـا لهـا من قصة . .

أهـي من نسج الخيـال ؟

لا بالتأكيد . . فصاحبها يروي لــي ذلكـ بنفسه ، وهــو أمـامـي الآن ، وبعـد قليل سأرى

صاحبــه الآخـر أيضــاً . .



كـم تحمـل هذا الشابُّ من مـتــاعبٍ أثقلت كـاهـله . .



لو رأيتمـ أبـا بكـر هـذا لتعجبتمـ . .


لم يكن كالأفـارقة في ضخامة الجسم ، بل كان نحيلاً جداً ، متوسط الطول ، في بداية العشرينات من عمره . .


بالفعـل . . هـو صغير على تحمل رحلة كهذه . .

لكن . . ما تقول عن هـمّــة تنــاطح الثريَّــا . . ؟ !



كنا لا نـزال متوجهين إلــى " الحديدة " حينمـا بدأت أشـمُّ رائحـة غريبةً وكريهـةً في الوقـت ذاتــه !


استمرت معنـا هذه الرائحة . . !


التفتُّ إلى أبي بكرٍ وسـألتـه :

- أبـا بكر ، ما هـذه الرائحـة ؟!

- أيّــة رائحـة ؟

- ألا تشمُّ هـذه الرائحــة الكريهـة ؟

- آه . . تقصـد الدُّود . . إنــه الدود .

- دود ؟ أي دود ؟

- انظر من النـافذة . . الأرض مليئة بالدود.




أطللت بـرأســي من النـافـذة . . لـم أرَ شـيـئـاً . . التفتَّ إلـى أبي بكـرٍ والذي لم يـبـدِ أي اهتمامٍ بالموضوع ،

وقلت لـه :

- أبـا بكـر . . أين الدود ؟

- ألا تـراه ؟ ؟ انظر . . هذا الأحمــر . .



يـا إلهي . .

فعلاً . . الأرض مليئة بالدود . . بل إن الأرض قد اختفت تمامـاً . . وأصبحت السيارة تمشي

على الديدان بدلاً من الأرض ! !



كانت ديداناً حمراء وخضراء تشبـه إلى حـدٍّ كبير الديدان التي تدخل في ثمار الطماطم .

صغيرة الحجم ، لكنهـا بالآلاف ، وربما بمئات الآلاف ! !



التفتُّ إلى أبي بكر مذعـوراً وقلت له :

- من أين خـرجــت كـلّ هـذه الديدان ؟

- لا أدري ، فـهـي تـخــرج فـي هـذا الوقـت من السنة في كل عـام ، ولا أحــد يدري من أين تـخــرج !


ربّــاه . . ما هــذا ؟


واصلنـا المسيـر . . لكــن . . حــدث ما لم يكـن في الحسـبــان . .









لقـد . .




لـــــــن تــتـــوقـــعــــــوا . . !



فالأمــر يفـوق الخـيـال !






لـقـد عـلـقـت السـيـارة في الرمـال . . !


عـفــواً . . أقصـد . .

بـ [ الـدُّود ] ! !



وبمعنى أدقّ وأكثر صراحـة : [ غــرّزنــا ] ! !




أي مصيبة هـذه ؟ !


لكـن . .


لا بـدّ مما لا بـدّ منـه . .



نـزلـنـا حفـاةً لـنـدفـع السيارة ، و . . .


ومـاذا رأيــت . .





لم يـكـن الدُّود يمشي على الأرض . . !

بل . . لقـد كــان مـكــوّمـاً . . بعضـه فــوق بعض ، ويشكل طبقة سميكة تغطي الأرض !

طـولـهـا خمس أو ستّ سنتيمترات تقريبـاً . . هذه هي الحقيقة . . !



ولكـ أن تتخيل نفسكـ وأنـت تـرفـع الدود عن كفرات السيارة بدلاً من الرّمــال ! ولكـ أن تتخيّل

منظـر هـذه الديدان عندما تتطاير و [ . . . . . ] بسبب دوران هـذا الكفر في إحدى محاولاتـه

الفـاشلة للخـروج !



كـان المنظر مقززاً جــداً . . جـــــداً . .


أدركـت كـم كنـت فـي نعمــة عظيمة حينما كـان الأمـر مقتصراً على تلكـ الرائحــة الكريهة . . !




عـلــى كـلّ حــال . . خــرجــت السيّــارة بعد جهــود مضنية ، وواصلنـا المسير نـحــو " الـحـديـدة " .


.

.


.


* * * * *

أبـو خـبـيـب 11-05-2007 08:50 PM

يتبــع . .
 





( 9 )



الـعــودة إلــى " الـريــاض "







اطّـلـعـت عـلـى المسجد ، واطمأننت على سيـر العمـل فيـه ، كـمـا التقينـا أيـضـاً بموسى _صاحب أبي بكر_ . .



كــان الليل قد حلّ . . ولـذا فقد قـرّرنا أن نبيت لـيـلـتـنا تـلـكـ في " الحـديـدة " ؛ وذلكـ لصعوبة المسير

في الليل ، واحتمال التيه . . !




لــكــن . .


هل سنستطيـع المبيت هـنـا فعلاً . . ؟ ؟


أكـاد أعــدُّ هــذا من المستحيلات ! فنحن لم نـكـد ننتهي من مشكلة الديدان من تحتنا . . حتى داهمتنا

بليّة أخـرى . .



إنّــه البعـــوض !!


نعم . . البعــوض من فوقنا . . !



لقـد كـان بأعـــداد هـائلـة . . لا . . بل هـائلـة جدّاً . .



لا أظن أن بإمكـانكم تخيل آلاف البعوضات وهي تغزو هـذه البلدة مع هبــوط الليل .



والذي يبدو أنّ هـذا الشيء مألوف لدى الأهالي في مثل هذا الوقـت من السنة .



فقد كنـت أرى الجمال والأبقـار تُـدخَــل فـيـما يـسـمّـى [ الـنّـاموسية ]!


يبركـ الجمل ، ثم يدفعونه دفعاً ليدخلوه في [ النّاموسية ] ثم يغلقونهـا عليه ، حماية من البعوض ، وكذلكـ البقر !


ولو تركوا هذه البهائم لامتصّ البعـوض دمهـا كله !



رفضت المبيت في تلكـ البلدة ! وأصررت على المغادرة الفورية !


حــــاول رفاقـي ثنيي . . إلا أنني كنت مصرّاً ، فإمّـا أن نغـادر ، وإمـا أن نموت هنـا بعـد أن يمتص البعـوض

كل الدم من عروقنا !



ومـا زلـت بهمـ حتى وافقوا .



ركبنا السيارة ، واتجهنـا إلى العاصمة .


كنت خلال الطريق ساهماً أفكّر في قصة هذين الرجلين العجيبين ، أعني أبا بكر وصاحبه موسى .


يـا لهـا من همّة !


بعـد تفكير متأنٍّ أدركت أنه ليس بإمكاني أن أحقق لهما أمنيتهما ، وللأسف .




أنهيت مهمتي فـي " تـشـــاد " . .


وعــدت إلى " الريــاض " . .


وهـذان الشابان يحتلان كل مساحات عقلي . . !


.


.


.




مواصل 12-05-2007 07:41 AM

0

0

0



ننتظرك بشوق

0



0


0

أبـو خـبـيـب 12-05-2007 02:27 PM

أهـلاً بكـ أخـــي مواصل . .

تشرفت بوجودكـ . .

.

.

أبـو خـبـيـب 12-05-2007 02:28 PM

لا تبتعدوا . .


فما زال للأحداث بقية . . ! !

.

.

أبـو خـبـيـب 17-05-2007 10:29 PM




( 10 )




الحلم يتعثر !





في عــام 1424هـ . . وتـحــديـداً في منتصف رمـضــان . .



كنت جـالـســاً مع بعض جمـاعة المسجد في لقـاء ودي أخويّ . . كـان الحديث يأخـذنـا يمنةً

ويسـرة . . ننتقل من حادثة إلى أخـرى . . ومن موضـوع إلى موضــوع . . حتى نحا بنا

الحديث ناحية الحجّ .


تذكرت مباشرة قصة الرجلين الذين قابلتهما قبل ثمان سنوات من الآن في . . أين ؟ نعم . . في " تشــاد " .


قلت في نفسي : ولمَ لا أقصّ عليهمـ خبر هذان الرجلان ؟ لعل فيها عبرة لمن لا يزال متكاسلاً منهم عن

الحج !



وفعلاً . . قصصت عليهمـ خبرهما . .


تعجبوا أيما عجب . . فعلاً . . أدهشتهمـ غرابة هذه القصة !

وسرعـان ما انقلب عجبهمـ إلى لوم . . لقد لاموني لأنني لم أحقق لهما أمنيتهما في حينها ،

انتهزت الفرصـة قائلاً :

- وفقكمـ الله . . إذاً . . فعلى أيديكمـ .


أبـدوا استعداداً كاملاً للتكفل بجميع مصاريفهما للحج .


فـرحـت بذلكـ . .

ومباشرةً . . أخرجـت هاتفي المحمول ، واتصلت بصاحبي الأول ، رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية

هنـاكـ ، إذ هـو الشخص الذي أعـرف رقـم هاتفـه ، وهـو كـذلـكـ من عرفني بهما .


اتصلت . . لم يردّ !


اتصلت عليه أخرى . . وأجـابني أخيراً . .

- نعم .

- السلام عليكم .

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

- أهلاً بكـ ، معكـ صاحبكـ محمد الخضيري من " الريـاض " .

- أهلاً . . أهلاً بكـ شيخ محمد . . حياكـ الله [ وبلكنة أفريقية مميزة ] .

- أتذكر صاحبانا اللذان كانا يـريــدان الحج ؟

- من تقصد ؟

- السنغاليان .

- أي سنغاليين ؟


ماذا ؟ ؟ هل نسيهمـا حقاً . . ؟ !

بـدأت أذكـره برحلتنا تلكـ إلى " الحـديـدة " . .

وتذكرها . . تذكرهـا بكل تفاصيلهـا . .


استبشرت وقلت :

- نعمـ ، هي تلكـ الرحلة ، هل تذكرت الرجلان ؟

- لا . . ! !

- يا رب . . نعم . . لقد كان . . لقد كان اسم أحدهما على ما أذكر . . آآ . . أبو بكر .

- بصراحة . . لا أذكــر !



أصبت بإحبــاط شديد . . !

قلت مودعـاً :

- لا بـأس ، إذا تذكرتهما فأخبرهما أنهما سيكونان مع الحجاج هذا العام بإذن الله عز وجل .

- حسناً . . إن شاء الله .

- السلام عليكم .

- وعليكم السلام .



.


.



.





* * * * *

أبـو خـبـيـب 17-05-2007 10:45 PM





( 11 )


أطير فـرحـــاً !




المكان : في " تشـاد " ، وتحديداً في مقر جماعة أنصار السنة المحمدية .



أبو بكر يتحدث :




. . كنت قادماً لاستلام بعض الـمــوادّ الغذائية لتفطير الصائمين في إحـدى المناطق التي وكلت بها .




عندما دخلت على رئيس الجماعـة . . كان قد أنهـى مكالمة هاتفية لتوه ، وضع السماعة في مكانها ،

ومـا إن رفع رأسه ورآني حتى تشبثت عيناه بي . . كان يحدق بي بقوّة وقد ارتسمـت على وجهـه

ملامح الذهـول ! !




صـرخ وكأنمـا تذكر شيئاً :

- أبو بكر ؟ ! !

- نعمـ .

- سبحان الله . . هذا محمد الخضيري من الرياض اتصل هذه اللحظة لأجلكـ .

- أنـا ؟

- نعمـ أنت .

- ومـاذا يريد ؟

- قال لي : أخبر أبا بكر وصاحبه أنهما سيكونان من الحجاج هذا العام .

- . . . . . . . . . ! !



أي كلام يهذي بـه هـذا المخلوق الذي أمـامي . . !

حج ؟ !


هل يقصد أنني سأحج ؟ !



أنــا ؟ ؟



وبعــد أربع عشرة سنة من خروجي من أهلي . . سأحـج ّ ؟ !


غير معقول أبداً . . !





أعـــاد عليّ مؤكـداً :

- عليكما الآن استخراج جوازات سفر تشادية ، فجوازكـ قد انتهت مدته بالتأكيد ، وكذلكـ صاحبكـ .




خرجت من عنده أتخبط من شدة الفرح . .

اتجهت إلى موسى مباشرةً . .

أخبرتـه الخبر . .



المسكين . .

كـاد قلبه أن يسقط من شدة الفــرح . . !

أكّدت عليه ألا يخبر أحداً بذلكـ .


ذهبت إلى زوجتي وأخبرتهـا . . وأكّدت عليها هي الأخرى ألا تخبر أحـداً بالأمر .




وأهلي ؟

هل تريدون أن أبشر أهلي ؟



وكيف لي أن أبشرهمـ وأنا لم أعرف عنهمـ شيئاً منذ أربع عشرة سنة !


أربع عشرة سنة . . لم أسمع فيها صوتهمـ ، ولم يسمعوا صوتي . .

وبالتأكيد ، فهمـ الآن يعدونني في عداد الأموات !



لم تكن مسألة استخراج جوازات سفر تشادية مسألة صعبة بدرجة كبيرة . . استخرجنا

الجوازين المطلوبين ، وأعددنا متاعنا مبكراً .



وطفقنـا ننتظر موسم الحج ، وكلنا أملٌ بالله عز وجل ألا تواجهنا عقبات أخـرى تحول

بيننـا وبين الحـجّ . .


.

.


.



* * * * *

أبـو خـبـيـب 17-05-2007 10:49 PM




( 12 )


فـي البلد الحرام




الشيخ محمد يتحدث :



اقترب موسم الحج . .


لم أكن حريصاً على مقابلة أبي بكر وصاحبه موسى قبل انتهـاء الحج ، وذلكـ لانشغالي

ببعض الأعمال الدعويّـة في الحجّ ، فكـان في نيتي اللقاء بهمـا بعد انتهاء موسم الحج إن تيسر ذلكـ .




فـي اليوم الخامس من ذي الحجة كنت هنـاكـ . . في مكة .

وكنت مدعواً في ذلكـ اليوم من قبل إحدى الحملات لإلقاء كلمة على العاملين فيها ، الهدف منهـا بث

الحمـاس والنشاط فيهمـ وتذكيرهمـ بعظم ثواب ما يقومون بـه .


وكـان موعدي معهمـ بعـد صلاة العصـر .



خطرت ببالي فكـرة . . ولم لا ؟ سأبحث عن أبي بكر وصاحبه وأصطحبهما معي ليقصا

قصتهما على العاملين في الحملة ، وإن قصتهما لتغني عن ألف محاضرة ، سأقدمهما

للإخـوة العاملين في الحملة لأقول : أنتم ستخدمون هؤلاء وأمثالهمـ .




وفعلاً . . في صباح ذلكـ اليوم . . اليومـ الخامس . . بدأت رحلـة البحث عنهما . .

البحث عنهما في هذه الجموع الغفيرة أمـر صعب . .


لـذا . . اتجهت مباشرةً إلى المباني التي تسكنهـا الوفـود التشادية . . بحكم أن صاحباي

يحملان الجواز التشادي . .


كانت إحدى عشر عمارة ، كل واحدة فيها قرابة السبعة طوابق . . !

وأنى لي أن أجدهمـا هنا ؟


ولكن . . لا بأس . . فأنـا متفائل جداً بمدى التفاعل مع قصتهما .

دخلت المبنى الرئيسي . . وتوجهت إلى الشخص المسؤول .


سألته عن إمكانية البحث عن شخصين تشاديين من أصل سنغالي . . وسميتهما له .

أجابني :

- أعتقد أنه من الصعب إيجاد من تريد قبل يومين أو ثلاثة ؟

- ولم ؟ ألا توجد لديكم قوائم بأسماء الحجاج هنا ؟

- بلى . . لكن المسؤول الذي يحمل هذه القوائم هو في جدة الآن ، ولن يعود قبل يومين .

- لكنني أريدهما اليوم عصراً .

- من الصعب ذلكـ . . بل من المستحيل ، فحتى تفتش عنهما بالطريقة التقليدية ، أي بالبحث

في كل غرفة ، فستحتاج إلى ثلاثة أيام على الأقل !





ترى . . ما الحل الآن ؟ بدأ اليأس يداخلني من العثور عليهما عاجلاً ، هممت بالانصراف ،

ولما وصلت إلى الباب شاهدت الداعية : محمد .


محمد . . هـو أحـد الدعـاة التشاديين الذين تعرفت عليهمـ سابقاً .

سلمت عليه بحرارة ، كان لقاءً غير متوقعاً ، سألني عن سبب مجيئي ، فشرحت له

كل شيء . قال لي :

- صعب جداً أن تجدهما .

- ألا يمكنكـ المساعدة ؟

- أنـا أعرفهما . . إن رأيتهما قبل العصر فسأخبركـ مباشرةً .

- حسناً .



كنا نمشي متجاورين نتحدث حينما خرجنا عبر بوابة المبنى ، بدأ جمعٌ من الحجاج التشاديين يزدحمون

على صاحبي الداعية ليسألوه عن بعض ما أشكل عليهمـ .


ابتعدت عنه ، ووقفت أنتظره في الجهة المقابلة من الشارع .


كنت أنتظر ريثما ينتهي الحجاج من أسئلتهمـ ، وكنت ألمح الحجاج وهمـ يسيرون في الشارع تغمرهمـ

السعـادة بالوصول لبيت الله الحرام .


رأيت رجلاً يركض ، تدور يداه في الهواء من شدة فرحـه ، كان يمشي جذلاً . .

قلت في نفسي : لم لا أسأله ؟


لم أكن جاداً . . ربما كان سؤالي من باب قضاء الوقت فقط !

- يـا أخــي . .

أقبل جذلاً مبتسماً وهو يقول :

- نعمـ .

- هل أنت سنغالي ؟

- لا . . أنـا تشادي .

- حسناً . . شكراً لكـ .



انطلق الرجل يقطع الشارع متجهاً إلى الجهة الأخرى حيث الداعية محمد هناكـ ، والذي كان ما يزال

يجيب على أسئلة بعض الحجاج .

ومـا إن وصل إليه الرجل حتى وقف إلى جانبه وبدأ يهز كتف الداعية ويقول :

- شيخ محمد . . شيخ محمد . .



التفت إليه ، وما إن رآه حتى أمسكـ بيده وجذبه إليه وكأنه يقول له : انتظر هنا ، لا تذهب .


وأكمل إجابته على أسئلة من حوله ، وبعد أن انتهوا ، التفت الداعية محمد إلى هذا الرجل :

- ماذا تريد ؟


ل تتوقعوا ما قال . . !

- أريـد رقـمـ الشيخ محمد الخضيري ، أريـد أن أتصل به وأبلغه بمجيئنا

وأشكـره على مساعدته .





نعمـ . . لقد كـان هـو صاحبنا المنشود .

- حقاً تريده .

- نعم .

- هـو ذاك الشيخ محمد ، الواقف في الجهة الأخرى .

- ماذا ؟ !





أقبل الرجل نحوي وعانقني بشدة ، لم أصدق عيناي ، أي مفاجئة هذه ؟ !

أقبل صاحبه موسى بعد قليل ، وبسرعة ، ركبا سيارتي ، وانطلقت بهما ، وكأنما كنت أخشى

أن يغيبا عني مرة أخرى !


ألقيت كلمتي بعد صلاة العصر في الحملة ، لم أتجاوز بضع دقائق ، ثم قدمت أبا بكر وموسى

للحضور ليقصوا قصتهما . .



شده الجميع بما سمعوا . . بل إن من نسق معي هذا اللقاء طلب مني الحضور غداً في نفس الموعد

برفقتهما ليجمع لي كل العاملين في المخيم ، من أصغرهم إلى أكبرهم ، وكان له ذلكـ . .


ولم تكن ردة الفعل في المرة الثانية بأقل من الأولى . .



.


.


.



* * * * *

أبـو خـبـيـب 17-05-2007 10:55 PM




( 13 )

الحلقة الأخيرة






مفاجأةٌ أخرى



كنت خلال اصحابي لهما من مكان إلى آخر أتحدث معهما عن الأحداث التي واجهتم أثناء غيابي ،

وعن مشاعرهم تجاه الحج ، سألتهم عن الكعبة والحرم ، وشعورهما عندما رأيا الكعبة ، فأجابا :


- يا شيخ محمد . . لا تسأل . . فهذه جنة الله في أرضه !




سألتهما :

- متى تذهبان إلى الحرم عادةً قبل بداية الحج ؟


فأجابا :

- نستيقظ قبل الفجر بساعتين ، وننطلق إلى الحرم ، ونجلس هناك ، نصلي ، أو نطوف ،

أو نتأمل الكعبة ! ولا نخرج إلا عند الساعة الحادية عشرة ليلاً ، نذهب للسكن للراحة ،

ثم نعود قبل الفجر بساعتين ، وهكذا .





عجب . . عشرون ساعةً في الحرم ! !

أي حب هذا الذي بلغ بهما . . ؟ !



لكن . .

هنـا سؤال كبير . .

هل كلما أهليهما ؟ ؟

أجابني أحدهما :

- نعرفنا على سنغالي أثناء الطواف ، سمعناه يتكلم السنغالية .. ويالله ! منذ زمن لم

نسمع أحداً يتكلم السنغالية ، وبعد أن انتهينا من الطواف جلسنا معه نتحدث ، وعلمنا أنه من قرية

مجاورة لقريتنا ، وعندما سألناه عن أهلنا أخبرنا أنه سمع بقصة اثنين خرجا قبل أربع عشرة

سنة للحج وفقدا ، والأرجح أنهما ماتا ، وذهل عندما عرف أننا الشخصان المفقودان ، وتمكنا عن

طريقه من الاتصال بأهلنا ، وبشرناهم بوصولنا ! وبأننا أحياء طبعاً . . !;)




فـرحـت كثيراً . . ولم أخف سعادتي بسماع هذه النبأ الجميل . . سبحان الله . . يقدر الله أشياء للعبد

لا تخطر بباله أبداً . . فكيف دخل أبو بكر على صاحبي الرئيس فور انتهائه من مكالمتي ، وكيف

كان أبو بكر هو الرجل الذي سلمت عليه في اليوم الخامس بقصد قضاء الوقت ليكون هو الشخص

المقصود ! وكيف وجدا هذا الرجل الذي دلهما على طريقة الاتصال بأهلهما . . لكـ الحمد يا رب !





. . . في اليوم الحادي عشر . . وجهت لي دعوة من نفس تلك الحملة لإلقاء نفس كلمة على الحجاج ،

لترغيبهم في الطاعة ، وحثهم عليها ، لا سيما أن بعضهم يود لو استطاع التعجيل في اليوم الحادي عشر ! !

واعجب من الناس كيف يرغبون عن الخير ، ويتعللون بكثرة مشاغلهم ، ويبحثون عن أقرب فتوى تبيح

لهم التعجل في اليوم الحادي عشر ، ليعودوا فيتقلبوا على فرشهم ، تلكـ أشغالهم ! ويفرطون في موسم عظيم

لا يتكرر إلا مرة واحدة في السنة !

بالطبع . . طلب مني المنسق اصطحاب أبي بكر وموسى . .

في اليوم الحادي عشر . . توجهت إلى المخيم المقصود . . ألقيت ما لدي مختصراً إيـاه في دقائق . .

ثم قدمت رفيقاي إلى الحضور قائلاً :

- أقدم لكما هذان الشابان السنغاليان : أبو بكر ، وموسى ، اللذان رحلا من

ديارهما قاصدين هذا البلد قبل أربع عشرة سنة ، وسأتركهما ليقصا عليكمـ خبرهمـا . .



ظل الجمهور مشدوهـاً طيلة حديث أبي بكر وصاحبه ، الجميع منصت ، الجالس والواقف ، تحيط أبصارهم

بهذين الشابين . . اللذان كانا يرويان قصة أشبه بالأسطورة ! !



وما إن انتهيـا . . حتى انبرى أحد رجالات الخير . . الرجـل المعطـاء الذي لم يتوانَ يومـاً

عن البذل والإنفـاق في أوجـه الخير . .


لقد كان هذا الرجل من ضمن الحضور ، ذلكم هو الشيخ : سليمان الراجحي حفظه الله ووفقه ،

وكانت الحملة هذه هي حملة الراجحي . .


تكفل الشيخ : سليمان بجميع نفقاتهما حتى يعوادان إلى السنغال مرةً أخـرى . .


وهنـا قمت من فوري لاستغلال هذه الفرصة الثمينة ، وأخذت أبا بكر وموسى جانباً وقلت :


- لقد تيسر لكما الآن ما تريدان ، وجميع نفقاتكما متيسرة ، فهل تريدان العودة إلى السنغال

بحج فقط ، أم بحج وعلم ؟ !



نظرا إلى بعضهما ثم قالا :

- بل بحج وعلم .

- حسناً ، إذاً ستدرسان العربية والشريعة قبل عودتكما .


رحبا بالفكرة . . وكان ذلكـ ، وهما الآن في السودان . . درسا في معهد اللغة سنتان ،

والآن يدرسان الشريعة في إحدى الجامعات هناكـ لمدة أربعة سنوات . .


فأسأل الله لهما التوفيق . . ولكل من يسر لهما حجهما . . وتعليمهما . .

.

.


.


* * * * *

أبو مهند التميمي 18-05-2007 12:45 AM

الله يجزاك كل خير ابو خبيب وما قصرت.

قريتها كلها والله من اول حرف للاخر.

شكرا لك.

أبـو خـبـيـب 18-05-2007 04:10 PM

أهلاً بكـ أبـا مهند . .

باركـ الله فيكـ .

قناص الفوائد 18-05-2007 04:45 PM

بارك الله فيك ..
قرأتها حتى النهاية ..

ووفقك الله .


الساعة الآن +4: 01:55 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.