بريدة ستي

بريدة ستي (http://www.buraydahcity.net/vb/index.php)
-   بــنــت بــريــدة (http://www.buraydahcity.net/vb/forumdisplay.php?f=62)
-   -   حلقة بريدة ستي القرآنية ح ( أبن عباس ) ع5 - م 22 - رد344 (http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=285514)

أبو سليمان الحامد 27-11-2011 08:25 AM

معذرة على التأخر في المشاركة :


قال الله تعالى : {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا , وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا , الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا , أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} (99-102) سورة الكهف .
تتحدث الآيات الكريمة عن حال يأجوج ومأجوج بعد خروجهم وحال الكفار في الآخرة :
" وتركنا بعضهم يموج في بعض " الضمير في ( بعضهم ) يعود إلى يأجوج ومأجوج ,, والمعنى : أن يأجوج ومأجوج يختلطون في بعض عند خروجهم فيكونون كموج البحر لكثرتهم وانتشارهم , وذلك يكون آخر الزمان وقبل النفخ في الصور .
وفي التعبير بقوله : " وتركنا " إشارة لطيفة إلى أنهم سيفسدون في الأرض بعد خروجهم , لأنهم متروكون لحال سبيلهم بعد أن كانوا محبوسين , فإذا أطلق لهم العنان كانوا كالموج الهادر لا يأتون على شيء إلا أفسدوه وأهلكوه .
بعد ذلك ينفخ في الصُّور , فيجمع الناس لرب العالمين في المحشر يوم القيامة كما قال تعالى : {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (9) سورة آل عمران .
والصورُ قَرْنٌ ينفخ في إسرافيل عليه السلام كما دلت بذلك الأحاديث الصحاح .
ونفخات الصور ثلاث :
1. نفخة الفزع , حيث يفزع الناس ويُهرعون لسماعها ,, " {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (87) سورة النمل .
2. نفخة الصعْق : حيث يموت الناس ويُصعقون بعدها : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء } (68) سورة الزمر
3. نفخة البعث : حيث يقوم الناس لرب العالمين يوم القيامة : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر , {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } (51) سورة يــس .
ثم تتحدث الآيات الكريمة عن بعض مشاهد القيامة :
فتتحدث عن عرض النار على المشركين ليشاهدوها بأعينهم فيزداد رعبهم وخوفهم , وليكون أبلغَ في تعجيل الهمّ والحزن لهم : " وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا " كما قال سبحانه : {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} (20) سورة الأحقاف .
وكما قال صلى الله عليه وسلم : " يوتى بجهنم تُقادُ يوم القيامة بسبعين ألف زمام , مع كل زمام سبعون ألف ملك .. " رواه مسلم .
وقوله تعالى : " جمعا – عرضا " هذه الكلمات منصوبة على المفعولية المطلقة , والغرض منها تأكيد الحدث وأهميته .
ثم وصف الله تعالى الكافرين الذين تُعْرَضُ عليهم النار ويُعرضون عليها , بأنهم كانوا عُمياً عن ذِكْرِ الله في الدنيا , وصُمّاً لا يستمعون إلى الحق ولا يستجيبون له " الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا "
المراد بالذكر هنا : القرآن .
وقوله : لا يستطيعون سمعاً : أي لا يستجيبون لنداء الإيمان , حتى ولو كانوا يسمعونه , لأن من سمع الحق فلم يستجب له فهو كالأصم .
كما قال تعالى : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} (97) سورة الإسراء
وقوله تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى , قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا , قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} ( 124 – 126 ) سورة طـه .

ثم قال تعالى موبخا الكفار الذين أشركوا مع الله غيرَه من الأولياء : " أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء " فهولاء الكفار الذين اتخذوا مع الله أولياء يعبودنهم من دون الله , هل ظنوا أنهم سينفعونهم يوم القيامة ؟؟
الجواب قطعا : كلا , لا يمكن أن ينفع بعضهم بعضا , بل سيتبرؤون منهم كما قال تعالى : {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} (28) سورة يونس .
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ , قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} ( 62-63 ) سورة القصص .
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} (47) سورة فصلت

قوله تعالى : " إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا "
قوله : أعتدنا : أي هيأنا كما قال تعالى : {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً } (31) سورة يوسف .
والنُّزُل : هو ما يُعدُّ للضيف عند نزولِه , قد جاء النُّزل في القرآن في أكثر من موضع يتحدث عن ضيافة المؤمنين في الجنة كما قال تعالى : {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ} (198) سورة آل عمران
وقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} (107) سورة الكهف
وقوله سبحانه : {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (19) سورة السجدة
فجهنم أعاذنا الله منها ستكون مقرَّ ضيافة للكفار يوم القيامة , والتعبير هنا جاء على سبيل التهكم والسخرية من الكفار كما قال تعالى : {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (49) سورة الدخان
وقوله تعالى : {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ , فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ , هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} (54-56) سورة الواقعة .
وقال تعالى : {فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ , وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } () سورة الواقعة ( 93 – 94 )سورة الواقعة .

اقتباس:


سؤال/ قال تعالى (أن يتخذوا عبادى) لماذا (عبادى) ألف مقصورة وليست ياء (عبادي)؟؟

لا يوجد ألف مقصورة أختي قصية , بل هي ياء , لكنها غير منقوطة , وذلك للرسم العثماني الذي لا ينقط الياء في كثير من المواضع حينما تكون آخراً .
والدليل أنها ياء : انظري لحركة الدال في ( عبادي ) ستجدين أنها كسرة , والألف لا تقع قبلها الكسرة , وهذا يدل على أنها ياء قطعاً .

والله الموفق .


دُرر مضيئة 27-11-2011 09:24 AM

^^

اعوذ بالله من الشيطن الرجيم

ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا

~..شيخة البنـآت..~ 27-11-2011 06:44 PM


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم


(( ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا اياتي ورسلي هزوا * إن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها
حولا * قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي
ولو جئنا بمثله مدا * قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما ألهكم إله واحد
فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ))

-اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك-

قـــصـــيـــة 27-11-2011 08:38 PM


أختي نالا/ اللهم آمين وإياكِ

أخي كبير المحايدين/ شكرًا جزيلًا لك .. إذن هوَ الرسم العثماني
بارك الله فيك وزادكَ علمًا نافعًا ينفعك وينفع المسلمين .. آمين


------------------------

سؤال استاذ يحيى/ هل سنستمر في الحلقة سنوات إن شاء الله؟

ونـاسه 27-11-2011 09:17 PM

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لايستطيعون سمعا@ افحسب الذين كفروا
ان يتخذوا عبادى اولياء من دوني انا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا@ قل هل ننبئكم بالاخسرين
اعمالا@ ذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا@ اولئك الذين
كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فلانقيم لهم يوم القيامة وزنا@ ذلك جزاؤهم جهنم
بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا@ ان الذين آمنوا وعملوا الصلحات كانت لهم جنات
الفردوس نزلا@ خالدين فيها لايبغون عنها حولا@ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ي لنفد
البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا @ قل انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ انما
الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه احدا)

صاحبة الامتياز 27-11-2011 11:06 PM









الأستاذ الفاضل يحيى فقية

ماذا عن المراجعة وهل سنستمر ان شاءالله ؟




***

.. ورحـلت الـغاليه .. 27-11-2011 11:09 PM


:i125
استاذ فقيه
انا أمس حاضره ومسمعه
متأكده 100%
وردي انحذف مادري ليش
:confused::confused:

وكذلك رديت اخطاء للأخت نالا
(( الذين كانوا في غطاء عن ذكري << اللي هن ’’ كانوا _ > كانت
و اسقطت _ > أعينهم

أبو سليمان الحامد 27-11-2011 11:58 PM


أرجو من الإخوة والأخوات الفضلاء طلاب الحلقة الدخول إلى هذا الرابط , لعلهم أن يجدوا فيه ما ينفعهم بإذن الله .

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=288849

ونـاسه 28-11-2011 01:33 AM


الحمدلله والشكرلك يارب

ياللسعادة,, اصبحنا من حفظة سورة الكهف ,, يارب ماننساهـ ابدا
يارب تيسر لنا حفظ كتابك الكريم ,, وتسهل لنا قرائته,,
الف الف مبروك لزملائي طلاب حلقة ابن عباس,,
كما اتوجه بالدعاء الخالص والشُكر الجزيل []
الى الاستاذ الكريم : يحيى فقيه ,, فقد تعب معنا كثيراً

وحقق لي أمنية والله كبيرة جداً كنت ابحث عنها منذ زمن بعيـد
أسال الله العلي العظيم ان يجعله في ميزان حسناته,,

كم كنت والله أشعر بسعاده كبيرة وانشراح في الصدر يومياً من قرائتنا
وحفظنا للقرآن,, ومازلت أريد المزيد والمزيد الى أن أتمه كاملاً بيسر الله ,,


كما لا أنسى في الحقيقة الاستاذ الكبير : كبير المحايدين ,, ابو سليمان
الله يعطيه الف عافيه على بعض التوضيحات وتفسير السورة,,

ايضاً الى أخوتي وزملائي الطلاب الكرام
الله يوفقهم ويسعدهم ويهنيهم ويبارك فيهم دوم يارب.

والسلام عليكم (f)

.. ورحـلت الـغاليه .. 28-11-2011 03:16 AM


إعاده لحفظ أمس
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(( الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا _ أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من
دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا _ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا _ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم
يحسبون أنهم يحسنون صنعا _ أولائك الذين كفروا بأيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ))

اليوم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(( ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا أياتي ورسلي هزوا _ إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات
الفردوس نزلا _ خالدين فيها لايبغون عنها حولا _ قل لو كان البحر مداد لكمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا
بمثله مددا _ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلاهكم إلاه واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه أحدا ))


الحمد لله الذي بنعمتة تتم الصالحات احمد ربي وأشكره
على أن يسر لي حفظ سورة الكهف
فأسأله سبحانه ان ييسر لي حفظ كتابه والعمل به ..

,,,
آشكر استاذ فقيه على حرصه
ومتابعة لنا
فجزاك الله خير الجزاء
وكذا آشكر الأخ كبير المحايدين
وجميع الاخوة والاخوات
ولكم مني الدعاء بإذن الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(f)

أبو سليمان الحامد 28-11-2011 08:55 AM

قال تعالى : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا , الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا , أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا , ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا , إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا , خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا , قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا , قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ( 103- 110 )سورة الكهف

تتحدث الآيات الكريمة عن فريقين من الناس , فريق في الجنة وفريق في السعير .
فأما فريق السعير فهم أكثر الناس خسارة يوم القيامة , ذلك لأنهم كانوا يعملون في الدنيا أعمالاً ظنوا أنهم سيُؤجرون عليها عند الله , وأن صنيعَهم حسنٌ وصوابٌ , فضَلُّوا سواء السبيل , ولم يكن عملهم صواباً , فكان جزاؤهم النار يوم القيامة , فجمعوا بين خسارة العمل , وخسارة الثواب فكانوا أكثر الناس خسارة .
ولهذا جاء فعل التفضيل : " بالأخسرين أعمالاً " أي أكثر الناس خسارة في أعمالهم .
وأسلوب الاستفهام قبل الجواب , أسلوب تعليمي عظيم , كثيرا ما ورد على لسان الشارع الحكيم , ليدل على عِظَمِ المسألة وجوابها , ولكي يتنبه لها المتلقي فيكون أدعى لبيانها عنده , وأحضرَ لذهنه وعقْلِه .
كما قال تعالى : {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ , تَنَزَّلُ على كُلِّ أفَّاكٍ أَثِيمٍ } (221) سورة الشعراء .
وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ , تُؤْمِنونَ ...} (10) سورة الصف
وفي الحديث الشريف : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ .. أتدرون من المفلس ؟ .. ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ ... وغيرها كثير .
فمن هؤلاء الأخسرون أعمالا ؟
الجواب : " الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا "
أي أنهم سيعون في الدنيا إلى الآخرة , ولكنهم ضلوا الطريق , وهم في قرارة أنفسهم يظنون أنهم على هدى وصواب , وهم في الحقيقة على ضَلال وبَوار .
فما أعظم خسارة هؤلاء !
وما أشد ندمهم يوم لا ينفع الندم !
فمن كان يعمل عملا يعلم أنه على خطأ , فإنه مستعد للنتيجة مهما كانت قاسية , ولكن المصيبة كل المصيبة من يعمل عملا يظن أنه على صواب , فيتفاجأ بالنتيجة الْمُرَّة حين يدرك بعد فوات الأوان أن تعبَه ونصَبَه لم يكن على صواب , فأي خسارة أعظم من هذا ؟
والمراد بهم : قيل هم اليهود والنصارى , وقيل هم الخوارج , قال ابن كثير : " وإنما هي عامَّة في كلِّ من عَبَد الله على غير طريقة مَرْضِيّةٍ يحسَب أنه مصيبٌ فيها , وأن عملَه مقبول , وهو مخطئٌ وعملُهُ مردودٌ كما قال تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ , عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ , تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} وقال تعالى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} " [ تفسير ابن كثير : 3/144 ] .

فكأن سائلا يسأل عن هؤلاء الخاسرين , ولماذا خسروا وضلوا ؟ , فكان الجواب :
" أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا " , فهم كفروا بالله تعالى وآياته واليوم الآخر , فلقاء الله تعالى هو اليوم الموعود , يومُ الفصل , والتكذيب به كفرٌ محض .
فكانت النتيجة أن حَبِطَت أعمالهم وخَسِرت , فأصبحت موازينهم خاوية من الخير , خفيفة طائشة " {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ} (9) سورة الأعراف .

وأصل الحبَط : أن تأكل الدابة مرعى طيبا فتكثر منه , فتنتفخ بطونها حتى تهلك .
فاستعير الحبط للفساد والبطلان .

ثم إن نتيجة هؤلاء المجرمين ومآلهم , ونهاية خفة أعمالهم هو دخولهم النار عياذا بالله تعالى منها , " ذلك جزاؤهم جهنم "
لماذا كان جزاؤهم جهنم ؟
الجواب : بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله ورُسُلِه .
فقوله : بما كفروا .. الباء للسببية , ودخلت على ( ما ) المصدرية , أي بسبب كفرهم .
ومثل هذا كثير في القرآن كما قال تعالى : {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا} (160) سورة النساء
أي : فبسبب ظلمهم حرمنا ..
وقال تعالى : {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } (13) سورة المائدة
أي : فبسبب نقضهم ..
وقال تعالى : {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (151) سورة آل عمران
أي بسبب إشراكهم بالله .
وحين نعود إلى آية الكهف نجد أن الله تعالى ذكر السبب وهو الكفر بالله وآياته ورسله , وذكر الْمُسبَّبَ والنتيجة وهي استحقاقهم جهنم .
وهنا يبرز سؤال : لماذا يذكر الله تعالى سبب استحقاقهم العذاب فيجمع بين السبب والمسبب ؟
الجواب والله أعلم لأمرين :
الأول : لبيان عدل الله تعالى , وأنه لم يعذبهم إلا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم " ولا يظلم ربك أحداً .. وما ظلمهم الله ولكن أنفسَهم يظلمون .
الثاني : لبيان سوء مَسْلَكِم للمُكَلَّفِين المخاطبين فيجتنبوه , لأن العاقل حين يعلم مغبّة هذا العمل وسوء نتيجته فإنه يُعْرِض عنه ولا يغشاه .

فائدة لغوية :
قوله : ضَلَّ سعيهم .
هناك ثلاث كلمات يخطئ في التفريق بينهما كثير من الناس ( ضَلَّ , ظَلَّ , الظِّلّ )
فالأول : ضَلّ , بالضاد , من الضلال , وهو ضد الهدى , وتصريفه كالتالي : ضَلّ يضِّلُّ فهو ضالّ , وأضَلَّ يُضِّل فهو مُضِلٌّ ومصدره : الضَّلال .
وقد وردت في القرآن كثيرا جدا : " ولا الضالين " " ضلوا السبيل " من يضلل الله فلا هادي له " " أم هم ضلوا السبيل " " المضلين عضدا " " فما له من مُضِلِّ " " ما منعك إذ رأيتهم ضلُّوا ألا تتبعن ؟ "

أما ( ظَلَّ ) بالظاء , فهي من أخوات ( كان ) وتعنى : استمر على هذا العمل .
تقول : ظلَّ محمدٌ واقفاً , أي استمر على الوقوف فترة معينة , ومضارعُه : يَظَلّ
وهي تدخل على المبتدأ والخبر , فترفع المبتدأ ويسمى اسمها , وتنصب الخبر ويسمى خبرها .
وقد وردت قليلا في القرآن : {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (4) سورة الشعراء , وقوله سبحانه : {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} (71) سورة الشعراء , وقوله تعالى : {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } (51) سورة الروم , وقوله تعالى : {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } (33) سورة الشورى , وقوله تعالى : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} (17) سورة الزخرف .

أما الكلمة ثالثة فهي " الظِّلّ " بالظاء , وهي اسم , ومعناه : ضد الشمس , وهو معروف , ويجمع على : ظُلَل , ويقال : ظِلال , وظُلَّة , ويجيء منه الفعل : يُظِل , كما في الحديث الشريف : سبعة يُظلهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه .. "
وقد ورد في القرآن كثيرا : كما في الآيات التالية :
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } (57) سورة البقرة
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ } (210) سورة البقرة
{ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} (57) سورة النساء
{وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } (171) سورة الأعراف
{فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (24) سورة القصص
{وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} (21) سورة فاطر
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ} (56) سورة يــس
{وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } (30) سورة الواقعة
{انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ , لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} (30) سورة المرسلات
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ} (41) سورة المرسلات

فيجب على المتعلم التفريق بين الكلمات السابقة لاختلاف المعنى رأسا على عقب لو وضعت الواحدة مكان الأخرى .

والله الهادي إلى سواء السبيل .

وللحديث بقية إن شاء الله .

نَوض 28-11-2011 09:11 AM








ولو أني لم أبادر معكم من قبل , فإني أرمقكم من بعيد وفخراً ينتابني لأجلكم ()




أخي كبير المحايدين
اسأل ربي لك الأجر أطنانا ..
وأني أرقبك حتى التتمة !








| يحيــى فقيـــه | 28-11-2011 10:29 AM


http://up.graaam.com/img/ebfb461f934...6428bfeb7e.jpg

الحمد لله الذي بعمته تتم الصالحات ... كم هي سعادتي كبيرة بأن وفقنا الله لإتمام حفظ سورة الكهف .
وبهذه المناسبة لا يسعني إلا أن أشكر أستاذي الفاظل كبير المحايدين على ما أتحفنا به من علم وفائدة فجزاه الله عنا خير الجزاء .
وأثني بالشكر لأخي الكاتب القدير أبو ريان على جهده معنا في تجهيز المادة الصوتية .
وأجد الشكر يسابقني إلى طلاب حلقة أبن عباس على جهدهم في اتمام هذه السورة ومن كان له مشاركات فعّالة .
وأخيراً :
أودعكم وأنا حزين لعدم تمكني من إتمام المسيرة وذلك لظروفي الصعبة ما بين العمل والدراسة والمستشفى كان هدفي أكبر من هذا الجهد ولكن الظروف كانت أقوى من أمنياتي .
ولكن ...
اتمنى من طلاب الحلقة أن يسعون في تحقيق أمنيتي بمواصلتهم .. فقد وضعتكم في أيدي أمينة تشتعل نشاطاً وإبداعاً
أعمالهن تتحدث عنهن .
قمت بالتنسيق مع أخواتي مشرفات بنت بريدة لإكمال المسيرة فلم يتأخرن في تلبية الدعوة . فجزاهم الله عنا كل خير .
ومن هذه اللحظة أنتم تحت إمارة قسم بنت بريدة .
طبعاً استسمحكم عذراً بسحب أخي ( وناسة ) من الحلقة لأن الحلقة ستنتقل إلى قسم مشفر عن الذكور :)
لكم مني خالص الدعوات ، ولا تنسوني من دعواتكم فالحاجة لا تكاد توصف .

أبو سليمان الحامد 28-11-2011 03:53 PM




ثم بين الله تعالى ثواب أهل الصلاح والتقوى بأن لهم الجنة ضيافة ونزلاً يوم القيامة , وسيخلدون فيها دون أن يرضوا عنها تحولاً وانصرافاً " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا , خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا "
وهنا ثنائية دائمة في مثل هذا الموضع " آمنوا وعملوا الصالحات "
( آمنوا ) بالقلوب , وصدقوا بالله تعالى وبأركان الإيمان الستة .
( عملوا الصالحات ) قاموا بأعمال الجوارح على الوجه الأكمل .
قوله ( الصالحات ) هذه الكلمة نعتٌ لمنعوت محذوف تقديره : عملوا الأعمال الصالحات .
س : ما الأعمال الصالحات ؟
الجواب : هي التي جمعت بين الإخلاص لله تعالى , والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم , كما سيأتي في آخر آية من السورة .
إذن , الجنة لا تنال إلا بتكامل الأمرين : أعمال القلوب من إيمان وتصديق , وأعمال الجوارح من الأعمال الصالحات .
والنُّزُل : هو ما يُعَدُّ للضيف من القرى والإكرام , وسبق معناها .
وكلمة الفردوس : هي أعلى الجنة , واختلف العلماء في أصلها : هل هي عربية أم سريانية أم رومية ؟
أقوال عدة , ورجح صاحب تاج العروس أن تكون عربية خالصة وأصلها من : الفردَسَة وهي السَّعَة , وفِرْدَوس : الجنة الواسعة المحيطة .

حِولا : أي تحوُّلاً وانتقالا .
فأهل الجنة لا يريدون أن يتحوَّلوا عنها إلى غيرها , لأنهم راضون بها تمام الرضا , كما قال تعالى : " {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ , فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} ( 21-22 ) سورة الحاقة , { {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ , فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } (6- 7) سورة القارعة .

قال تعالى : " قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا "
قال ابن كثير في تفسير الآية : " يقول تعالى : قل يا محمد لو كان ماء البحر مداداً للقلم الذي يُكْتَب به كلمات الله وحُكْمِه وآياتِه الدالّ عليه , لنفد البحر قبل أن يفرغَ كتابة ذلك " ولو جئنا بمثله " أي بمثل البحر آخر , ثم آخر , وهلُمّ جرا بحور تمده ويكتب بها , لما نفدت كلمات الله كما قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (27) سورة لقمان , قال الربيع بن أنس : إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها " ا.هـ [ تفسير ابن كثير : 3/145 ] .
ومعنى الآية بشكل أوضح : أن البحر لو كان حبراً , وهناك أقلام تستمد حبرها من هذا البحر , وهذه الأقلام تكتب كلماتِ الله وآياتِه لانتهى البحر ( الحِبر ) وانتهت الأقلام , وكلمات الله تعالى لم تنتهِ بعد , ولم تنفد , ولو جئنا ببحر آخر يمد ذلك البحر .

فائدة لغوية : [ نفد – ونفذ ]
كلمتان يخطئ في التفريق بينهما كثير من الناس .
فالأولى : نفدَ بالدال , بمعنى انتهى وفَنِيَ .
يقال : نفدَ الزاد إذا فَنِيَ وانتهى
ومنه قوله تعالى : {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ } (96) سورة النحل
وقوله تعالى : {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} (54) سورة ص .

أما ( نفذَ ) بالذال ,, فهو بمعنى جَاوَز إلى الجهة الأخرى , ونَفَّذَ الأمر أي خَلُص منه إلى غيره , يقال : سهم نافذ , أي أنه ينفذ في جسد الطريدة بكل قوة ليخرج من الجهة الأخرى , ومن قوله تعالى : {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} (33) سورة الرحمن .

ثم قال تعالى : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا "

لما كانت سورة الكهف إجابة لأسئلة طرحها المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم بإيعاز من أهل الكتاب , وجاءت الأجوبة بأكمل وجه , جاء الختام ببيان أن هذا النبي الذي أردتم اختباره وامتحانَه إنما هو بشر مثلكم , ولكن الفرق بينه وبينكم أنه يوحى إليه من عند الله تعالى , وأعظم الوحي هو ما جاء بالتوحيد وألوهية الله تعالى وحده , فيا أيها المشركون , ويا أهل الكتاب , الآن علمتم الأجوبة , ونجح هذا النبي في الامتحان , فتعالوا إلى ما يدعو إليه هذا النبي الكريم بوحي من الله تعالى وهو التوحيد وعبودية الله وحده لا شريك له .
ومثل هذا قوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} (6) سورة فصلت .

فمن كان يرجو لقاء الله تعالى وثوابَه , فليؤدِّ الشروط المطلوبة , وهما شرطان فقط :
الأول : العمل الصالح : وهو ما كان صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لأن من عمل عملا ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم .
الثاني : الإخلاص لله تعالى والابتعاد عن الشرك : " ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " , لأن الشرك يحبط العمل " {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر

بهذه الكلمات نكون قد انتهينا من تفسير سورة الكهف أو أكثرها , ونسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه , وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين .


أخوكم : علي بن سليمان الحامد
3/1/1433 هـ


الساعة الآن +4: 05:51 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.