![]() |
لا بــدّ من عــرفـــــــات . .
( 1 ) [ مـــدخـــل ] مـهـلاً . . لا تـتـعـجَّـلــوا . . ففصـــول هـذه القصة وغـرائبــهــا أطـول من أن تــسـعـهــا صـفـحـة واحـــدة . . ! لا . . لا تعجبــوا . . فـهــي إحــدى أعـجــب . . . . إحــدى . . ؟ ؟ ! ! لا . . بـل هــي أعجب قصــة سمعتهــا فـي حيـاتــي ، ولم يكــن هنــاكـ شيء أروع من أن أسمعهــا بنفســي من فم الرجـــل الــذي شهــد بعض فصولهــا . . . وأهـمَّـهــا أيضــاً . . ! ! إنــه الشيخ الفـاضــل / مـحـــمـــد الـخـضـيـــري _حفظه الله ورعــاه_ يبدو أنني لن اطيل في المقدمة . . فالقصة التي ما فـتـئـت مذ سمعتهــا تـرنُّ فـي قلبــي . . تطـالبنـي الآن بسرعــة النُّــزول ! ولـذا . . فــأنــا مجبرٌ على اختصــار هــذه المقدِّمــة . . ولسـت أملـكـ إلا أن أبــدأ بـروايتـهــا . . * * * * * |
أرجــو من كــل من سبق له سمــاع القصــة أن يتركـ لصاحب الموضوع المجــال لإكمالهــا دون إضافة . . رعــايــة لحق السبق والصياغــة , , هذه القصة سمعتهــا بنفسي .. وصغت لكمـ أحداثهــا كمـا هي .. لا إضــافــات . . سوى ما يضيفه كل كــاتــب على قصته التي يكتبهــا . . أمــا الأحــداث . . فهي هي . . لا زيــادة ولا نقصان بإذن الله . . , ، |
( 2 ) اللقـاء الشيخ محمد يتحدث : بـدأت فصـول هـذه القصة عندمـا انطلقـت من " السعـوديــة " متجهــاً إلى " تـشـــاد " ، وتحـديـداً . . إلى العـاصمــة " نجامينا " . . كان ذلكـ في صيف عــام 1416هـ ، وكانــت رحلتي رحـلــة دعــويَّـــة ، وكان مرافقي هنــاكـ هو رئيس جمـاعــة أنصـــار السـنَّـــة المحمديَّـــة فــي " تـشـــاد " . وللعـلــم . . فإن " تــشــــاد " دولــة عربيَّــة ، تقع إلى غــرب " الـسُّــودان " ، وعــدد الـنَّـــاطقين فيها باللغــة العربية يؤهلهــا لأن تـكــــون دولة عربيــة ضمن جامعــة الــدُّول العربيــة . وكــان من ضمن الأعمــال التي علي القيـــام بهـا فــي " تــشـــاد " الاطلاع على سير العمــل في مسجــد تبرعـت ببنـائـه إحــدى المحسـنـــات ، ويقــع فـي بلدة ليست بالبعيدة كثيراً عن العــاصمــة ، وتــدعــى : " الـحــديــدة ". انطلقت أنا وصاحبي [ رئيس الجماعة ] ومعنا اثنان آخران متوجهين إلى هنــاكـ . . كنا نعلو ونهبط في السيـــارة طــوال الطريق ، إذ لا يـوجــد في " تــشـــاد " الكثير من الطرق المعبدة ، فقد بلغ بهم الفقر المدقع حــدًّاً غـيــر متصــور ، ولكـ أن تتخيّل أنه لا يوجد في " تــشـــاد " طرق معبدة ، سوى بعض من الشوارع المعبدة الصالحــة لسير السيــارات عليها ، وتـقــع هــذه الشــوارع المعـدودة في العاصمة " نجامينا " . ولــذا . . فقد كـنّــا بالطبــع نسير على التــراب . . ولــكـ أن تتخيــل حالنا في هذه الطرق الصحراويــة . . ! كـمــا قلت لـكــمـ . . سـفــري إلــى " تــشــــاد " كـان صيفــاً ، وفـي الوقــت الــذي كــانــت فيـه " نــجـــد " تــغــلي بفعــل أشعـــة الشمــس ، كــانــت الأمــطــار تـهـــطــل بـغـــزارة عـلــى " تــشــــاد " . وهـذا ما انعكــس سلبــاً على الــطّريق التي كــنَّــــا نـسـلـكـــهـــا . . كــنّـــا خـائــفيــن من التّــيــه . . ولـذا . . كـنــا نـراقـب الطريق باستمــرار ، ونــحـــاول ســؤال من نــصــادف في الـطــريق ، وأنّــى لـكـ أن تـجـــد أحــداً هـنـــا . . في الــبــرّ ! ! بـعـد مسير طـويــل ، لمحنــاه من بعيــد ، شخــص يسيــر عـلـى مـهـل ، انعطفــنــا باتجــاهــه ، بنفــس الـوقـــت الــذي بــدأ هــو بالتلويــح لنا بالمجيء . طـبـعــاً . . يـهـمُّــه مجيئنــا كثيراً ، فـلــو تركنــاه ، فربمــا سيحتــاج ليومين أو ثلاثة ريثمــا تبصــر عينــاه سيــارة أخــرى في هــذه الصحـــراء الـمـــجـــدبــــة ! ! اقتــربنـــا منــه ، ومــا إن اتضحت ملامــح الرجــل حتى هتف صاحبي : - أبو بكــر ! ! من الواضــح جداً أن صاحبي قد تعرّف هـذا الرجــل . . سألنــاه عن الطريق . فقــال : - أنتم متوجهــون إلى " الـحــديــدة " ؟ ؟ رد صاحبي : - نعم . - إذاً سأرافقكمـ . . فموسى هنــاكـ . - أيــن ؟ - في " الحـديــدة " . - إذاً . . هيّـا بنــا . ركــب أبــو بـكــر معنــا ، وعنـدمــا عـرفــه بنــا صاحبنــا رئيس الجمــاعـة ، التفــت إلينــا ، ثم وجــه سؤالــه إلى الســائق : - هل حججت ؟ ؟ - نعم . التفت إلى صاحبنا رئيس الجمـاعـة : - وأنــت ؟ ؟ - نعـم ، الحمد لله . التفت إلي وأعاد علي نفس الســؤال : - وأنت ؟ - نعم ، ولله الحمد . التفت إلى آخــرنــا ويبدو أنّــه كــان موقنــاً بالإجــابة : - وأنت أيضاً ؟ ؟ - نعم . أطـلــق صــرخــةً غريبـة وحـزينــةً في الـوقــت ذاتــه ، لـم تـكــن صــرخــة بالمعنـى الفعلــي . . - كلكم إلا أنــا ! ! كــان صـوتــاً يعبــر عن ألــمٍ كـامـن في صــدر هـذا المخلوق الـذي أمـامــي . التفــتُّ إلـى صـاحــبي مستوضحــاً الأمــر ، وكأنــه فهـم السُّــؤال الذي يدور في رأســي ، فـأجــابنـي : - هـذا أخــونــا أبـو بـكــر من " السنغــال " . - من " السنغــال " ؟ ؟ - نعم ، خـرج يـريــد الحــج قبل سـتِّ سـنـيـن ، وانقطعــت بـه الـطّـــريـق هـنـــا . يـا إلهــي . . سـتُّ سـنــيــن ! ! التفــتُّ إلــى أبـي بـكــر والذي كـان غـارقــاً في صمــت حــزيــن . . تـشــوقــت لـسـمــاع خـبـره . . يبــدو أنَّ وراء هـذا الـَّرجــلُ قـصــة غريبـة ، وعجيبـة أيضــاً . . لـكــن . . مــا هـي ؟ الله أعـلــم . . الذي أعـرفــه . . أن عمر هـذه القصة يمتدُّ لـسـتِّ سـنــوات . . وفقـط . . سـألـتــه أن يـخـبـرنــي خـبـره وقـصـتـه . . فـبــدأ ينبـش فـي ذاكـرتــه . . ويـسـتـعـيــد لي ذكـريــات مـاضـيـه الألـيـم . . رفــع رأســه . . ومـضـى يـسـرد لـي تـلـكـ الـقـصَّـة الـعـجـيـبـة . . قــــال : . . . * * * * * |
أخي الفاضل ,,,
واصل فنحن معك .... وفقك الله ... |
نحن في شوق و ماذا قال ؟؟؟؟؟ |
( 3 ) الخـطـوة الأولـى أبـو بـكــر يتحدث : بـدأت فـصــول قـصـتــي هـنــاكـ . . فـي قـريــة مـن قــرى " السنغــال " . . عندمـا تـخــرجــت من المـرحـلــة المتـوسطــة خطـرت ببالــي فكـرة الحج . . في الحقيقـة . . لـم يـكــن تنفيــذ الفكــرة ممكنــاً ، لكنني كنـت واثقــاً من أنني سأنجـح ، ومصمماً في الـوقــت ذاتــه عـلـى تـحقـيـق هـذا الـهــدف . فـاتحـت بـهذا الموضـوع " موسـى " . . ومـوسـى هـذا . . هو ابن خالتي . . وصـديقــي . . وأقـرب النــاس إلي . . انـدهـش . . ورفــض قـبـول الفكــرة فـي البــدايــة . . إلا أنني كنــت مصرّاً ، وحـاولـت إقنــاعـه بشتّى السبــل حتى اقتنــع . لـم تـكــن مسألة إقــنـــاعــه أمــراً صـعـبـاً . . لكنـهــا كـانـت الأهـمّ . . هــذه ونجحت فيهـا . . لكن . . بقي شيء صعــب . . كيـف سأقنــع والداي ؟ ؟ وكذلكـ الأمر بالنسبــة لموسـى . . عندمــا فاتحــت أهـلــي بالموضــوع ، رفـض والدي ، لكنني لم أكـن لأيئس بسهــولة ، أصــررت على موقفــي كثيراً ، وأوضحـت للجميع أني حــازم في أمري . كــان والداي يحـولان ثنيي عن هـذه الفكــرة . . وكـان والدي يقــول : - يـا بني . . لا أنـا . . ولا جـدكـ . . ولا حتى جدي أنــا ممن سبق لهم أداء الحج . . لم يحج منا أحد ! ! كيف ستحج أنت يا بني وأنــت بـهــذا السن ؟ ثم إن الحج يا بني إنما يجب على من استطــاع إليه سبيلاً ، ونحن لسنا بمستطيعين . لـم أقتنــع بمـا قــال ، كنـت مصمماً على ما عزمـت عليه ، قلت له : - يـا والدي . . الصلاة ونؤديهــا ، والزكــاة لم تجـب علينــا ، والصيــام ونصــوم ، بقـي ركـن واحـد . . واحــد فقط . . إنــه حلم ولا بد أن يتحقق ، وأنـا عازم على تحقيقه . لم تفلح محــولات أبي بإقناعــي ، لذا . .قام من مكــانه ، ودخــل غرفتــه ، وخــرج وهــو يحمـل بيده كيســاً صغيــراً ، وعينــاه تحملان الكثيــر من المعــاني ، مده إلي وقــال : - خــذ هـذا المال ، هــذا مــا أستطيــع أن أقــدمـــه لـكـ في رحلتكـ العظيمة هذه ، فليوفقكـ الله . لقد . . لقــد وافـق . . نعـم وافق . . الحمد لله . . إذاً . . لم يبق إلا أن أبــدأ المسير . . وموسى . . ؟ نعــم أيضاً موســى . . لقــد نجــح فـي إقنـــاع أهـلــه ، وسيرافقني في رحلتي . . أيــام معـدودة . . حزمنــا فيها أمتعتنــا المتواضعــة ، وودعنــا أهلنــا . . وبدأنــــا المسير . . لا . . لم نتجــه شرقــاً . . بل انحدرنــا ناحيــة الجنــوب الشــرقي ، نحــو " غينيـا " . ووصلنا إلى عاصمتهــا " كوناكري " وهنــاكـ . . في " غينيا " . . حصـــل ما لم يكن في الحسبـــان . . . . لقـــد . . نــفـــدت الــنــفـــقـــة . . ! ! . . . . * * * * * |
الداعي إلى الله ,, وحيد المعنى . . أهلاً بكمــا . . شرفتما . . . بانتظـــار البقية , , , , |
رحلةٌ في سبيل الله ، بدأت ولم أستطع مفارقة الحرف ، حتى انقطع بي الطريق هنا .. كما انقطع بأبي بكرٍ و موسى .. ننتظر يا أبا خُبيب .. |
يتبــع . . أبو بكر يتحدث . .
( 4 ) والـحـــلّ ؟ ؟ نـعـم . . لقــد نفــدت . . هـكـــذا وبلا مـقـــدمات . . ! ! ولكمـ أن تتصوروا مـدى الإحبــاط الذي أصــابنــا . . ! موســى . . وأمــام هـذا الوضع . . رأى العــودة إلى " السنغـــال " ، فالــرّحـلــة في نظره قـد فشلت ولمّـا نجتز بعض عشرات من الكيلومترات . . بينمــا أمامنا قرابة الخمسة آلاف كيلو متر إضافية . . ! ! موســى قال لي : - يبدو أنه لا مـفــرّ من العـــودة ، نفدت النفقة ولمّـا نجتز بعض عشرات من الكيلومترات . . - هــذا مـسـتـحـيـل ! ! - إننــا نـغـــامــر . . - لن نــرجــع بلا حج . . ! - لكننـا معذوران بنص القرآن . - اسمعني جيّــداً يا موسى . . لقــد خـرجــنا من قريتنــا والكــلّ يعـلـم أننــا ذاهبــان إلى الحجّ ، فلن نرجــع إليهم إلا وقد حلقنــا رؤوسنا . . أو نمـــوت ! - ولكن . . - الأمــر محسوم بالنسبة لي ، إذا كنت سترجع أنت فشأنكـ بنفســكـ ، أما أنــا فلا ، ماذا سيكــون موقفــنا حين نعــود إليهمـ ننفـض غبــار الفشــل ، لنقول لهمـ : إننــا لم نحج ! وافــق موسى على الاستمـرار بعد إصــرار شديد مني ، ولا أكتمكمـ . . فقد كـنــت أنــا شخصيّــاً حـائــراً ، لا أدري ما يتوجّــبُ عليَّ فعله بالضبط مع نفــاد النفقـة . ويـقــدّر الله عز وجـل أن يعرف بعض الأهــالي بأننّــا نجيد اللغة العربيّــة وقـراءة القــرآن ، فطلبـوا منا تعليمـ أبنـائهمـ بمقــابـل . وافـقــنــا على الـفــور . . وكــان لـهـمـ ذلكـ . . فــاتـنــا موسمـ الحـجّ لذلكـ العــام . . ولم نتمكن في تلكـ السنة من أداء الحـجّ . . لم نيــأس . . حتى صاحبي موسـى لم يفـاتحني بموضــوع العــودة ، فقـد أدركـ أن ذلكـ الأمر مستحـيـل تطبيقـه قبل أداء الحجّ . . ولــذا . . فإنني وإيــاه وضعنــاهــا نصب أعيننــا واضحــةً تمــاماً . . [ الحــجّ ] . أمضينــا في " غينيـا " سنة ونصـف ، أو تـزيــد قليلاً ، نعلم فيهـا القــرآن ، وحصلنـــا خلالهــا على مبلــغ منـــاسب استطعنـــا توفيـره خلال هذه المــدّة ، يؤهلنــا لمواصلــة المسيــر . هـذا المبلغ يعـــادل تقريبـــاً ست مئـة ريــالٍ سعـــودي ! ! عزمنـــا أمــرنــا . . وأخبرنــا أهالي الأولاد بـنـيَّـتـنــا . . لكنّـهـمـ . . رفضــــوا . . نعـمـ . . رفضــوا . . حـاولنــا إقنــاعهمـ . . فطلبــوا إمهــالهـمـ بعــض الــوقــت لـيـتـدارســوا أمـرهـمـ . . لم نـكـن واثقين من ردّهـمـ . . لذا . . وفـي إحــدى الليالي . . لملمنا أمتعتنــا . . و . . وهـربــنـــا . . ! مـضـيـنــا باتجــاه الجنـوب الشرقــيّ ، وبالتحديـد ، إلى " سـاحــل الـعـــاج " ! ولـم نـكــد نـلـتــقــط أنــفــاســنــا هــنـــاكـ . . فقد واصلنا المسيرة إلى " بوركينا فاسو " . . ومن " بوركينا فاسو " توجهنـا مـبــاشــرة إلى " الـنّـيـجـر " ! لا أكـتـمـكـمـ . . لقــد أحسسنـا بشيء من الأمـــل ، فقـد قطعنـــا مســافــة جـيِّــدة . . لـكــن الـمـخــيِّــب للآمــال . . هـو أنَّ الـنَّـفـقـة كـانـت عـلـى وشـكـ الـنَّــفـــاد ! ! وللمـرَّة الثَّــــانيــة . . ولم يتبقَّ إلا القليل . . والقليلُ جـــدّاً . . . . . * * * * * |
اقتباس:
أهـــلاً بكـ مشرفنــا الغــالي . . .أبشــر بالبــاقي . . . |
أتمنى منك أخي الغالي إكمال القصة فالشوق كبييييييييييييييير ......:eek:
|
يتبـع . . بكر يتحدث .. .
( 5 ) فــي بـلــدٍ جـــائــع ! هـنـــاكـ كـنّــا . . في " النيجر " . . وفــي عــاصمتهــا تحديداً . . دخلنـا أحد المســاجد لأداء الصلاة ، وبـعــد أن انتهت الصلاة توجهنـــا إلى الإمــام . من المعتــاد أن يقــوم إمــام المسجــد باستضـافــة الغربــاء فـي منزلـه ، ورعــايتهمـ لحين رحيلهمـ . . سلمنــا عليه . . لم يحتفِ بنــا كثيراً . . بادرنــاه قائلين : - نحن غـربــاء ، أتينــا من الـ . . . قاطعنـا بسرعــة قائلاً : - عـفــواً ، أنــا لست إمـام هــذا المسجـد ! - لست الإمــام ؟! - نعم . - وأين هــو ؟ - إنــه ذاكـ الـرَّجــل الـجــالـس هـنـــاكـ . اتجهنــا نـاحيـة الـرَّجــل المـذكـور ، وعندمـا سلمنا عليه سألنـاه : - أنت الإمــام ، أليس كذلكـ ؟ - لا ، لست الإمــام . - عجبــاً . . أين الإمــام إذاً ؟ ! - الإمــام . . لـقــد . . لــقــد ســافــر الإمــام منذ مدّة طويلة ، ولا أظـنُّ أنـه سيعــود ! ! آه . . يكفي . . لقـد فهمنـا الآن كل شيء . . فالفقر المدقــع الذي يحيط بالـنَّـاس هـنـــا بالكـاد يسمــح لهمـ بإعـالة أطفالهمـ ، فكيف بإعـالـة الغـربــاء ؟ ! ! لـذا . . فهمـ يفضلون التخلُّـص من الـغـربــاء . . بأي وسيلة ! ! بالكــاد . . حصلنا على مسكن لنـــا . . في الحقيقة . . لم يكن مسكنــاً بالمعنى الحقيقي لكلمة ( مسكن ) ، لكـنّــه ضـمَّـنــا على أيَّــة حــال . . ! ! بـدأنـا بالعمل كـ ( حـمَّــالين ) في السُّّوق ، وبأجــرة زهيدة جدّاً ، بالكــاد توفـر لنــا مـا يـقـيــمـ صلبنــا في اليــوم ! كنــا نعمل يومياً ، ونقعــد يومين أو ثلاثــة عاجزين عن العمــل من شــدّة ما نعانيـه من التّـعـب . كان عملنا شـاقّــاً جـداً . . وحالتنا الماديّـة متردية إلى أبعــد الحـدود . . ! ولكن . . الحمد لله الذي لا يحمد على مكــروه سـواه . كنا واثقين بتوفيق الله عز وجل ، فالله عز وجل لن يخذلنا ونـحـن قد خرجنــا لطاعته سبحـانـه جلّ في عـلاه . وحــدث مـالم يكن متوقــعــاً أبــداً . . تعـرّفنــا هنـاكـ على رجلين من " السنغــال " ! نعم . . من بلدنــا . . تعـرّفنــا على بعضنـا . . وتــآلفنــا سريعـاً . . فـ [ الغريب للغريب نسيب ] . كـان صاحبـانـا يملكـان مغسلةً يعملان فيهـا ويقتاتان منهـا ، ولما علما بقصتنـا ، عرضــا علينــا شراء المغسلة منهمـا ، إذ أنهمـا ينويان العــودة إلى " السنغــال " . لكـ الحمد يا رب . . وافقنـا . . لكن . . من أيــن لنـا بالمــال ؟ دلـنَّــا هذان الرجلان على سنغالي آخــر يعمـل في العـاصمة . . وبالفعـل . . استدنَّــا منـه المبلغ المطلوب ، واشترينـا المغسلة من الرجلين ، على أن نعـيــد إلى الرَّجـل مالـه بمـا سنجنيـه من هذه المغسلــة . اشترينـا المغسلة بما يعادل تقريباً بالعملة السعودية المئتي ريال ، اشتريناها بكل أثـاثهـا . ومـا أثـاثـهـا ؟ ؟ لم تكـن المغسلة سـوى وعــاء دائري متوسط الحجم [ طست ] ، وحـديـدة يوضع عليها الجمـر ، تستخدم لكيِّ الملابـس ! وبـاشرنـا العمـل في المغسلة . كنـا نستيقـظ قبل الفجر ، ونبـدأ بغسيل الملابس حتى الظهـر ، وبعد الظهـر نبدأ بكيِّهـا حتى المغـرب ! وبعد المغـرب نسقـط متعبين قـد أرهقتنـا أعـمــال هـذه المغسلة . أدينـا الدين لصاحبه بحمد الله عز وجل بعد فترة من العمــل ، وأزحنـا هـمَّـاً كان يثقل كاهلينا . . أمضينـا في " النيجــر " مـدّةً تزيــد على الستة أشهر ، جمعنــا خلالها ما يعــادل الستَّ مئـة ريال تقريباً ، كــان هـذا المبلغ نتيجــة للعمــل الدؤوب والمستمر في تلكـ المغسلة . وكــان المبلغ المتوفر كـافيـاً لمواصلـة مسيرنــا ، ولـذا . . فقـد قـرَّرنـا الرَّحيــل ، وحددنـا لذلكـ موعــداً . بـدأت استعداداتنـا للرحيل . . كنَّــا نحترق شوقــاً في انتظــار تلكـ الساعــة التي سنكحـل فيهـا أعيننا برؤية بيت الله الحرام . . ولكـن . . حدث مالم يكـن في الحسبان . . . . . * * * * * |
اهلاً بكـ أخي الحافي . . أهلاً وسهلاً .. . |
( 6 ) الـخـــــائـن ! قـبـل رحيلنـا بأيّـــام قلائل . . دخــل علينـا في المغسلـة رجل سنغـالي ، وطلـب منّـا المسـاعدة . . أخبرنـا الرجـل بأنـه قدم قبـل سنـة من " السنغــال " إلى " النيجر " ببضاعة لـه ليبيعها ، إلا أن السلطات النيجرية قبضت عليـه حينهـا لارتكابه مخالفـة قانونية ، وأودع بسببها السجن سنـة كاملـة ، وقد خــرج لتوّه ، ولـذا فهـو يحـتـــاج لبعض المـال لبيع بضـاعتـه ، وأخبـرنـا أنّــه بمجـرّد الانتهـاء من عملـه سيعيد إلينـا المال ، قبـل عودته إلى " السنغــال " . تداولت الأمــر مع ابن خالتي ورفيقي موســى ، ورأينــا أن مسـاعدة هذا الأخ السنغالي وإعـانتــه واجبة علينا ، وكمـا يسر الله عز وجل لنـا من أعــاننــا أول مجيئنا فعلينـا نحن أيضاً أن نعين غيرنــا . وفعلاً . . أقــرضنـا الرّجــل مبلغــاً كبيراً من الذي كنّـا نحتفظ به يعــادل تقريباً الأربع مئة ريــال ! كمـا أجلنــا موعـــد رحـيـلنـا لحين انتهــاء صاحبنـا من عمله واسترداد المال منـه . مكثنــا في المغسـلــة أيـامـاً عــدّة ، ومضى الموعــد الذي حـدّده الرجـل . . ولم يأتِ . . ! ! لم نيـأس . . فقد انتظرنـاه أياماً أخرى . . لكنّـه . . لم يـأتِ . . ! ويالهـا من مصيبة ! أهـذا ما كـان ينقصنــا ؟ ! ! اضطررنــا لمواجهة الأمــر الواقع ، لكننـا لم نكن نطيق البقــاء كثيراً ، واصلنـا العمل في المغسلـة حتى جمعنـا شيئاً يسيراً أضفنــاه لما تبقى معنـا من المال ، وقررنــا الرحيــل . . وفـــوراً . . واتّـجــهــنـــا إلــى " بـحــيــــرة تــشـــاد " . . . . . . * * * * * |
( 7 ) اسـتــراحـة طـويـلــة " بـحــيــــرة تــشـــاد " . . تـعـتـبـر هــذه البحيــرة ثانــي أكبـر بحيرة في أفـريقيـا ! إذ يبلغ طـولهـا أربع مئة كيلو متر تقريباً . . ! ضخمـة للغايــة . . أليس كذلكـ . . ؟ ولكـ أن تتخيلهـا لو كـانـت بين الريــاض والقصيم ! ستملأ المسافـة وزيــادة !:D وسَـيُـمَـتِّـعُ المســافـر الكريـم من إحدى المنطقتين إلى الأخـرى نـاظـريه بهـذه البحيـرة التي ستمتد علـى طــول الخـطّ الـسَّـريــع ! ! ويطلّ على هذه البحيرة أربعة دول ! ! وهي : النيجر ، ونيجيريا ، والكاميرون ، وتشــاد. ومن عـجـــائــب هـذه البحيرة أن فيهـا جزراً متحـركـة ! نعـم . . تطفو علـى الماء ! وهـذه الجزر ليست صغيرة ، بل كبيرة ، وكبيرة جداً في بعض الأحيـان ، وهي تقترب مرّة من الكاميرون ، ومرّة من نيجيريا ، ومرة من تشاد ، وهكذا . . . ويصعــد عليهــا النّــاس للتجوال ، ولكنهمـ لا يبنون عليها ، لأن أرضيتهـا لا تصلح للبنــاء . . فـهــذه الجـزر مجـرّد طـحــالـب اجتمعت ، وغـطّـتـهـا الأتربـة مع الزمن . . ! فـعــلاً . . عـجـائب الدنيـا لا تنقضي . . فسبحـان الله . . ! دعـونـا نعــود إلى ما كنـا فيه . . و . . أين كنا ؟ ؟ نعمـ . . لقد كان أبو بكر يتحدث . . عبرنــا أنا وموسى من خلال هذه البحيرة إلى " تشــاد " ، وعند وصولنا للأراضي التشادية لم تكن لدينـا أية فكــرة عما يجب علينا فعلـه . لم يكن المبلـغ الذي معنـا كـافـيـاً لمواصلـة الـمـســيــر لـفـتـرة طـويـلــة ، ولــذا . . قـرَّرنـا المـكـــوث قليلاً فـي " تـشـــاد " لإصلاح وضعنـا المـادي . بــدأنــا بـاصطيــاد الأسمـاكـ عـنـد البـحـيـرة ، نـأكـل منهـا ما يقيم صلبنـا ، ونبيـع البـاقي إن كـان هنـاكـ فـائض! كـان العـام الثالث على خـروجنـا من " السنغــال " قـــد مــضـــى . . ! وحتى تلكـ اللحظة ، لم نـكـن نـعـــرف أي شيء عــن أهـلــنــا ، ولا هم كذلكـ بطبيعـة الحــال. ومن خلال عملنـا في صيد الأسمـاكـ عـرف النـاس أننا نتقن اللغـة العربية ونقـرأ القـرآن . . وعـرضـوا علينـا عندهـا تعليم أبنــائهمـ مقـابـل أجــر . . ووافـقـنـا مـبــاشـرةً . كـانـت الخـطّـة واضـحــة في أذهــاننـا ، سنجمـع بعض المـال ، ثم نواصل المسير . . لكن . . تجــــري الـرِّيــاح بما لا يشتهي السَّـفِـنُ . . ! مكثنـا هنــا في " تشــاد " طويلاً ، حتى إن الأهـالي هنـا قـد زوجونـا من بناتهمـ ، ولا أدري إن كـان ذلكـ حرصـاً منهمـ على استقرارنا أما ماذا ؟ واستقرّ بنـا المقــام هنـا . . ثلاث سنوات أخرى حتى هـذه اللحظة ! ! ! ولا أدري الآن . . هل سنتمكن من الحجّ بعـد هـذه السنوات الستّ أم لا ؟ لست متأكداً ، لكن ما أنــا متأكدٌ منـه . . هــو أنني لن أعـــود إلى " السنغـــال " إلا وقــد حججت ! ! . . . * * * * * |
لا تبتعدوا . . فما زال للأحداث بقية . . ! ! . . |
( 8 ) نـحـــو " الحـديــدة " الشيخ محمد يتحدث : يــا إلهـي . . مـاذا يقــول هـذا الرجــل ؟ ؟ يـا لهـا من قصة . . أهـي من نسج الخيـال ؟ لا بالتأكيد . . فصاحبها يروي لــي ذلكـ بنفسه ، وهــو أمـامـي الآن ، وبعـد قليل سأرى صاحبــه الآخـر أيضــاً . . كـم تحمـل هذا الشابُّ من مـتــاعبٍ أثقلت كـاهـله . . لو رأيتمـ أبـا بكـر هـذا لتعجبتمـ . . لم يكن كالأفـارقة في ضخامة الجسم ، بل كان نحيلاً جداً ، متوسط الطول ، في بداية العشرينات من عمره . . بالفعـل . . هـو صغير على تحمل رحلة كهذه . . لكن . . ما تقول عن هـمّــة تنــاطح الثريَّــا . . ؟ ! كنا لا نـزال متوجهين إلــى " الحديدة " حينمـا بدأت أشـمُّ رائحـة غريبةً وكريهـةً في الوقـت ذاتــه ! استمرت معنـا هذه الرائحة . . ! التفتُّ إلى أبي بكرٍ وسـألتـه : - أبـا بكر ، ما هـذه الرائحـة ؟! - أيّــة رائحـة ؟ - ألا تشمُّ هـذه الرائحــة الكريهـة ؟ - آه . . تقصـد الدُّود . . إنــه الدود . - دود ؟ أي دود ؟ - انظر من النـافذة . . الأرض مليئة بالدود. أطللت بـرأســي من النـافـذة . . لـم أرَ شـيـئـاً . . التفتَّ إلـى أبي بكـرٍ والذي لم يـبـدِ أي اهتمامٍ بالموضوع ، وقلت لـه : - أبـا بكـر . . أين الدود ؟ - ألا تـراه ؟ ؟ انظر . . هذا الأحمــر . . يـا إلهي . . فعلاً . . الأرض مليئة بالدود . . بل إن الأرض قد اختفت تمامـاً . . وأصبحت السيارة تمشي على الديدان بدلاً من الأرض ! ! كانت ديداناً حمراء وخضراء تشبـه إلى حـدٍّ كبير الديدان التي تدخل في ثمار الطماطم . صغيرة الحجم ، لكنهـا بالآلاف ، وربما بمئات الآلاف ! ! التفتُّ إلى أبي بكر مذعـوراً وقلت له : - من أين خـرجــت كـلّ هـذه الديدان ؟ - لا أدري ، فـهـي تـخــرج فـي هـذا الوقـت من السنة في كل عـام ، ولا أحــد يدري من أين تـخــرج ! ربّــاه . . ما هــذا ؟ واصلنـا المسيـر . . لكــن . . حــدث ما لم يكـن في الحسـبــان . . لقـد . . لـــــــن تــتـــوقـــعــــــوا . . ! فالأمــر يفـوق الخـيـال ! لـقـد عـلـقـت السـيـارة في الرمـال . . ! عـفــواً . . أقصـد . . بـ [ الـدُّود ] ! ! وبمعنى أدقّ وأكثر صراحـة : [ غــرّزنــا ] ! ! أي مصيبة هـذه ؟ ! لكـن . . لا بـدّ مما لا بـدّ منـه . . نـزلـنـا حفـاةً لـنـدفـع السيارة ، و . . . ومـاذا رأيــت . . لم يـكـن الدُّود يمشي على الأرض . . ! بل . . لقـد كــان مـكــوّمـاً . . بعضـه فــوق بعض ، ويشكل طبقة سميكة تغطي الأرض ! طـولـهـا خمس أو ستّ سنتيمترات تقريبـاً . . هذه هي الحقيقة . . ! ولكـ أن تتخيل نفسكـ وأنـت تـرفـع الدود عن كفرات السيارة بدلاً من الرّمــال ! ولكـ أن تتخيّل منظـر هـذه الديدان عندما تتطاير و [ . . . . . ] بسبب دوران هـذا الكفر في إحدى محاولاتـه الفـاشلة للخـروج ! كـان المنظر مقززاً جــداً . . جـــــداً . . أدركـت كـم كنـت فـي نعمــة عظيمة حينما كـان الأمـر مقتصراً على تلكـ الرائحــة الكريهة . . ! عـلــى كـلّ حــال . . خــرجــت السيّــارة بعد جهــود مضنية ، وواصلنـا المسير نـحــو " الـحـديـدة " . . . . * * * * * |
يتبــع . .
( 9 ) الـعــودة إلــى " الـريــاض " اطّـلـعـت عـلـى المسجد ، واطمأننت على سيـر العمـل فيـه ، كـمـا التقينـا أيـضـاً بموسى _صاحب أبي بكر_ . . كــان الليل قد حلّ . . ولـذا فقد قـرّرنا أن نبيت لـيـلـتـنا تـلـكـ في " الحـديـدة " ؛ وذلكـ لصعوبة المسير في الليل ، واحتمال التيه . . ! لــكــن . . هل سنستطيـع المبيت هـنـا فعلاً . . ؟ ؟ أكـاد أعــدُّ هــذا من المستحيلات ! فنحن لم نـكـد ننتهي من مشكلة الديدان من تحتنا . . حتى داهمتنا بليّة أخـرى . . إنّــه البعـــوض !! نعم . . البعــوض من فوقنا . . ! لقـد كـان بأعـــداد هـائلـة . . لا . . بل هـائلـة جدّاً . . لا أظن أن بإمكـانكم تخيل آلاف البعوضات وهي تغزو هـذه البلدة مع هبــوط الليل . والذي يبدو أنّ هـذا الشيء مألوف لدى الأهالي في مثل هذا الوقـت من السنة . فقد كنـت أرى الجمال والأبقـار تُـدخَــل فـيـما يـسـمّـى [ الـنّـاموسية ]! يبركـ الجمل ، ثم يدفعونه دفعاً ليدخلوه في [ النّاموسية ] ثم يغلقونهـا عليه ، حماية من البعوض ، وكذلكـ البقر ! ولو تركوا هذه البهائم لامتصّ البعـوض دمهـا كله ! رفضت المبيت في تلكـ البلدة ! وأصررت على المغادرة الفورية ! حــــاول رفاقـي ثنيي . . إلا أنني كنت مصرّاً ، فإمّـا أن نغـادر ، وإمـا أن نموت هنـا بعـد أن يمتص البعـوض كل الدم من عروقنا ! ومـا زلـت بهمـ حتى وافقوا . ركبنا السيارة ، واتجهنـا إلى العاصمة . كنت خلال الطريق ساهماً أفكّر في قصة هذين الرجلين العجيبين ، أعني أبا بكر وصاحبه موسى . يـا لهـا من همّة ! بعـد تفكير متأنٍّ أدركت أنه ليس بإمكاني أن أحقق لهما أمنيتهما ، وللأسف . أنهيت مهمتي فـي " تـشـــاد " . . وعــدت إلى " الريــاض " . . وهـذان الشابان يحتلان كل مساحات عقلي . . ! . . . |
0
0 0 ننتظرك بشوق 0 0 0 |
أهـلاً بكـ أخـــي مواصل . . تشرفت بوجودكـ . . . . |
لا تبتعدوا . . فما زال للأحداث بقية . . ! ! . . |
( 10 ) الحلم يتعثر ! في عــام 1424هـ . . وتـحــديـداً في منتصف رمـضــان . . كنت جـالـســاً مع بعض جمـاعة المسجد في لقـاء ودي أخويّ . . كـان الحديث يأخـذنـا يمنةً ويسـرة . . ننتقل من حادثة إلى أخـرى . . ومن موضـوع إلى موضــوع . . حتى نحا بنا الحديث ناحية الحجّ . تذكرت مباشرة قصة الرجلين الذين قابلتهما قبل ثمان سنوات من الآن في . . أين ؟ نعم . . في " تشــاد " . قلت في نفسي : ولمَ لا أقصّ عليهمـ خبر هذان الرجلان ؟ لعل فيها عبرة لمن لا يزال متكاسلاً منهم عن الحج ! وفعلاً . . قصصت عليهمـ خبرهما . . تعجبوا أيما عجب . . فعلاً . . أدهشتهمـ غرابة هذه القصة ! وسرعـان ما انقلب عجبهمـ إلى لوم . . لقد لاموني لأنني لم أحقق لهما أمنيتهما في حينها ، انتهزت الفرصـة قائلاً : - وفقكمـ الله . . إذاً . . فعلى أيديكمـ . أبـدوا استعداداً كاملاً للتكفل بجميع مصاريفهما للحج . فـرحـت بذلكـ . . ومباشرةً . . أخرجـت هاتفي المحمول ، واتصلت بصاحبي الأول ، رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية هنـاكـ ، إذ هـو الشخص الذي أعـرف رقـم هاتفـه ، وهـو كـذلـكـ من عرفني بهما . اتصلت . . لم يردّ ! اتصلت عليه أخرى . . وأجـابني أخيراً . . - نعم . - السلام عليكم . - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . - أهلاً بكـ ، معكـ صاحبكـ محمد الخضيري من " الريـاض " . - أهلاً . . أهلاً بكـ شيخ محمد . . حياكـ الله [ وبلكنة أفريقية مميزة ] . - أتذكر صاحبانا اللذان كانا يـريــدان الحج ؟ - من تقصد ؟ - السنغاليان . - أي سنغاليين ؟ ماذا ؟ ؟ هل نسيهمـا حقاً . . ؟ ! بـدأت أذكـره برحلتنا تلكـ إلى " الحـديـدة " . . وتذكرها . . تذكرهـا بكل تفاصيلهـا . . استبشرت وقلت : - نعمـ ، هي تلكـ الرحلة ، هل تذكرت الرجلان ؟ - لا . . ! ! - يا رب . . نعم . . لقد كان . . لقد كان اسم أحدهما على ما أذكر . . آآ . . أبو بكر . - بصراحة . . لا أذكــر ! أصبت بإحبــاط شديد . . ! قلت مودعـاً : - لا بـأس ، إذا تذكرتهما فأخبرهما أنهما سيكونان مع الحجاج هذا العام بإذن الله عز وجل . - حسناً . . إن شاء الله . - السلام عليكم . - وعليكم السلام . . . . * * * * * |
( 11 ) أطير فـرحـــاً ! المكان : في " تشـاد " ، وتحديداً في مقر جماعة أنصار السنة المحمدية . أبو بكر يتحدث : . . كنت قادماً لاستلام بعض الـمــوادّ الغذائية لتفطير الصائمين في إحـدى المناطق التي وكلت بها . عندما دخلت على رئيس الجماعـة . . كان قد أنهـى مكالمة هاتفية لتوه ، وضع السماعة في مكانها ، ومـا إن رفع رأسه ورآني حتى تشبثت عيناه بي . . كان يحدق بي بقوّة وقد ارتسمـت على وجهـه ملامح الذهـول ! ! صـرخ وكأنمـا تذكر شيئاً : - أبو بكر ؟ ! ! - نعمـ . - سبحان الله . . هذا محمد الخضيري من الرياض اتصل هذه اللحظة لأجلكـ . - أنـا ؟ - نعمـ أنت . - ومـاذا يريد ؟ - قال لي : أخبر أبا بكر وصاحبه أنهما سيكونان من الحجاج هذا العام . - . . . . . . . . . ! ! أي كلام يهذي بـه هـذا المخلوق الذي أمـامي . . ! حج ؟ ! هل يقصد أنني سأحج ؟ ! أنــا ؟ ؟ وبعــد أربع عشرة سنة من خروجي من أهلي . . سأحـج ّ ؟ ! غير معقول أبداً . . ! أعـــاد عليّ مؤكـداً : - عليكما الآن استخراج جوازات سفر تشادية ، فجوازكـ قد انتهت مدته بالتأكيد ، وكذلكـ صاحبكـ . خرجت من عنده أتخبط من شدة الفرح . . اتجهت إلى موسى مباشرةً . . أخبرتـه الخبر . . المسكين . . كـاد قلبه أن يسقط من شدة الفــرح . . ! أكّدت عليه ألا يخبر أحداً بذلكـ . ذهبت إلى زوجتي وأخبرتهـا . . وأكّدت عليها هي الأخرى ألا تخبر أحـداً بالأمر . وأهلي ؟ هل تريدون أن أبشر أهلي ؟ وكيف لي أن أبشرهمـ وأنا لم أعرف عنهمـ شيئاً منذ أربع عشرة سنة ! أربع عشرة سنة . . لم أسمع فيها صوتهمـ ، ولم يسمعوا صوتي . . وبالتأكيد ، فهمـ الآن يعدونني في عداد الأموات ! لم تكن مسألة استخراج جوازات سفر تشادية مسألة صعبة بدرجة كبيرة . . استخرجنا الجوازين المطلوبين ، وأعددنا متاعنا مبكراً . وطفقنـا ننتظر موسم الحج ، وكلنا أملٌ بالله عز وجل ألا تواجهنا عقبات أخـرى تحول بيننـا وبين الحـجّ . . . . . * * * * * |
( 12 ) فـي البلد الحرام الشيخ محمد يتحدث : اقترب موسم الحج . . لم أكن حريصاً على مقابلة أبي بكر وصاحبه موسى قبل انتهـاء الحج ، وذلكـ لانشغالي ببعض الأعمال الدعويّـة في الحجّ ، فكـان في نيتي اللقاء بهمـا بعد انتهاء موسم الحج إن تيسر ذلكـ . فـي اليوم الخامس من ذي الحجة كنت هنـاكـ . . في مكة . وكنت مدعواً في ذلكـ اليوم من قبل إحدى الحملات لإلقاء كلمة على العاملين فيها ، الهدف منهـا بث الحمـاس والنشاط فيهمـ وتذكيرهمـ بعظم ثواب ما يقومون بـه . وكـان موعدي معهمـ بعـد صلاة العصـر . خطرت ببالي فكـرة . . ولم لا ؟ سأبحث عن أبي بكر وصاحبه وأصطحبهما معي ليقصا قصتهما على العاملين في الحملة ، وإن قصتهما لتغني عن ألف محاضرة ، سأقدمهما للإخـوة العاملين في الحملة لأقول : أنتم ستخدمون هؤلاء وأمثالهمـ . وفعلاً . . في صباح ذلكـ اليوم . . اليومـ الخامس . . بدأت رحلـة البحث عنهما . . البحث عنهما في هذه الجموع الغفيرة أمـر صعب . . لـذا . . اتجهت مباشرةً إلى المباني التي تسكنهـا الوفـود التشادية . . بحكم أن صاحباي يحملان الجواز التشادي . . كانت إحدى عشر عمارة ، كل واحدة فيها قرابة السبعة طوابق . . ! وأنى لي أن أجدهمـا هنا ؟ ولكن . . لا بأس . . فأنـا متفائل جداً بمدى التفاعل مع قصتهما . دخلت المبنى الرئيسي . . وتوجهت إلى الشخص المسؤول . سألته عن إمكانية البحث عن شخصين تشاديين من أصل سنغالي . . وسميتهما له . أجابني : - أعتقد أنه من الصعب إيجاد من تريد قبل يومين أو ثلاثة ؟ - ولم ؟ ألا توجد لديكم قوائم بأسماء الحجاج هنا ؟ - بلى . . لكن المسؤول الذي يحمل هذه القوائم هو في جدة الآن ، ولن يعود قبل يومين . - لكنني أريدهما اليوم عصراً . - من الصعب ذلكـ . . بل من المستحيل ، فحتى تفتش عنهما بالطريقة التقليدية ، أي بالبحث في كل غرفة ، فستحتاج إلى ثلاثة أيام على الأقل ! ترى . . ما الحل الآن ؟ بدأ اليأس يداخلني من العثور عليهما عاجلاً ، هممت بالانصراف ، ولما وصلت إلى الباب شاهدت الداعية : محمد . محمد . . هـو أحـد الدعـاة التشاديين الذين تعرفت عليهمـ سابقاً . سلمت عليه بحرارة ، كان لقاءً غير متوقعاً ، سألني عن سبب مجيئي ، فشرحت له كل شيء . قال لي : - صعب جداً أن تجدهما . - ألا يمكنكـ المساعدة ؟ - أنـا أعرفهما . . إن رأيتهما قبل العصر فسأخبركـ مباشرةً . - حسناً . كنا نمشي متجاورين نتحدث حينما خرجنا عبر بوابة المبنى ، بدأ جمعٌ من الحجاج التشاديين يزدحمون على صاحبي الداعية ليسألوه عن بعض ما أشكل عليهمـ . ابتعدت عنه ، ووقفت أنتظره في الجهة المقابلة من الشارع . كنت أنتظر ريثما ينتهي الحجاج من أسئلتهمـ ، وكنت ألمح الحجاج وهمـ يسيرون في الشارع تغمرهمـ السعـادة بالوصول لبيت الله الحرام . رأيت رجلاً يركض ، تدور يداه في الهواء من شدة فرحـه ، كان يمشي جذلاً . . قلت في نفسي : لم لا أسأله ؟ لم أكن جاداً . . ربما كان سؤالي من باب قضاء الوقت فقط ! - يـا أخــي . . أقبل جذلاً مبتسماً وهو يقول : - نعمـ . - هل أنت سنغالي ؟ - لا . . أنـا تشادي . - حسناً . . شكراً لكـ . انطلق الرجل يقطع الشارع متجهاً إلى الجهة الأخرى حيث الداعية محمد هناكـ ، والذي كان ما يزال يجيب على أسئلة بعض الحجاج . ومـا إن وصل إليه الرجل حتى وقف إلى جانبه وبدأ يهز كتف الداعية ويقول : - شيخ محمد . . شيخ محمد . . التفت إليه ، وما إن رآه حتى أمسكـ بيده وجذبه إليه وكأنه يقول له : انتظر هنا ، لا تذهب . وأكمل إجابته على أسئلة من حوله ، وبعد أن انتهوا ، التفت الداعية محمد إلى هذا الرجل : - ماذا تريد ؟ ل تتوقعوا ما قال . . ! - أريـد رقـمـ الشيخ محمد الخضيري ، أريـد أن أتصل به وأبلغه بمجيئنا وأشكـره على مساعدته . نعمـ . . لقد كـان هـو صاحبنا المنشود . - حقاً تريده . - نعم . - هـو ذاك الشيخ محمد ، الواقف في الجهة الأخرى . - ماذا ؟ ! أقبل الرجل نحوي وعانقني بشدة ، لم أصدق عيناي ، أي مفاجئة هذه ؟ ! أقبل صاحبه موسى بعد قليل ، وبسرعة ، ركبا سيارتي ، وانطلقت بهما ، وكأنما كنت أخشى أن يغيبا عني مرة أخرى ! ألقيت كلمتي بعد صلاة العصر في الحملة ، لم أتجاوز بضع دقائق ، ثم قدمت أبا بكر وموسى للحضور ليقصوا قصتهما . . شده الجميع بما سمعوا . . بل إن من نسق معي هذا اللقاء طلب مني الحضور غداً في نفس الموعد برفقتهما ليجمع لي كل العاملين في المخيم ، من أصغرهم إلى أكبرهم ، وكان له ذلكـ . . ولم تكن ردة الفعل في المرة الثانية بأقل من الأولى . . . . . * * * * * |
( 13 ) الحلقة الأخيرة مفاجأةٌ أخرى كنت خلال اصحابي لهما من مكان إلى آخر أتحدث معهما عن الأحداث التي واجهتم أثناء غيابي ، وعن مشاعرهم تجاه الحج ، سألتهم عن الكعبة والحرم ، وشعورهما عندما رأيا الكعبة ، فأجابا : - يا شيخ محمد . . لا تسأل . . فهذه جنة الله في أرضه ! سألتهما : - متى تذهبان إلى الحرم عادةً قبل بداية الحج ؟ فأجابا : - نستيقظ قبل الفجر بساعتين ، وننطلق إلى الحرم ، ونجلس هناك ، نصلي ، أو نطوف ، أو نتأمل الكعبة ! ولا نخرج إلا عند الساعة الحادية عشرة ليلاً ، نذهب للسكن للراحة ، ثم نعود قبل الفجر بساعتين ، وهكذا . عجب . . عشرون ساعةً في الحرم ! ! أي حب هذا الذي بلغ بهما . . ؟ ! لكن . . هنـا سؤال كبير . . هل كلما أهليهما ؟ ؟ أجابني أحدهما : - نعرفنا على سنغالي أثناء الطواف ، سمعناه يتكلم السنغالية .. ويالله ! منذ زمن لم نسمع أحداً يتكلم السنغالية ، وبعد أن انتهينا من الطواف جلسنا معه نتحدث ، وعلمنا أنه من قرية مجاورة لقريتنا ، وعندما سألناه عن أهلنا أخبرنا أنه سمع بقصة اثنين خرجا قبل أربع عشرة سنة للحج وفقدا ، والأرجح أنهما ماتا ، وذهل عندما عرف أننا الشخصان المفقودان ، وتمكنا عن طريقه من الاتصال بأهلنا ، وبشرناهم بوصولنا ! وبأننا أحياء طبعاً . . !;) فـرحـت كثيراً . . ولم أخف سعادتي بسماع هذه النبأ الجميل . . سبحان الله . . يقدر الله أشياء للعبد لا تخطر بباله أبداً . . فكيف دخل أبو بكر على صاحبي الرئيس فور انتهائه من مكالمتي ، وكيف كان أبو بكر هو الرجل الذي سلمت عليه في اليوم الخامس بقصد قضاء الوقت ليكون هو الشخص المقصود ! وكيف وجدا هذا الرجل الذي دلهما على طريقة الاتصال بأهلهما . . لكـ الحمد يا رب ! . . . في اليوم الحادي عشر . . وجهت لي دعوة من نفس تلك الحملة لإلقاء نفس كلمة على الحجاج ، لترغيبهم في الطاعة ، وحثهم عليها ، لا سيما أن بعضهم يود لو استطاع التعجيل في اليوم الحادي عشر ! ! واعجب من الناس كيف يرغبون عن الخير ، ويتعللون بكثرة مشاغلهم ، ويبحثون عن أقرب فتوى تبيح لهم التعجل في اليوم الحادي عشر ، ليعودوا فيتقلبوا على فرشهم ، تلكـ أشغالهم ! ويفرطون في موسم عظيم لا يتكرر إلا مرة واحدة في السنة ! بالطبع . . طلب مني المنسق اصطحاب أبي بكر وموسى . . في اليوم الحادي عشر . . توجهت إلى المخيم المقصود . . ألقيت ما لدي مختصراً إيـاه في دقائق . . ثم قدمت رفيقاي إلى الحضور قائلاً : - أقدم لكما هذان الشابان السنغاليان : أبو بكر ، وموسى ، اللذان رحلا من ديارهما قاصدين هذا البلد قبل أربع عشرة سنة ، وسأتركهما ليقصا عليكمـ خبرهمـا . . ظل الجمهور مشدوهـاً طيلة حديث أبي بكر وصاحبه ، الجميع منصت ، الجالس والواقف ، تحيط أبصارهم بهذين الشابين . . اللذان كانا يرويان قصة أشبه بالأسطورة ! ! وما إن انتهيـا . . حتى انبرى أحد رجالات الخير . . الرجـل المعطـاء الذي لم يتوانَ يومـاً عن البذل والإنفـاق في أوجـه الخير . . لقد كان هذا الرجل من ضمن الحضور ، ذلكم هو الشيخ : سليمان الراجحي حفظه الله ووفقه ، وكانت الحملة هذه هي حملة الراجحي . . تكفل الشيخ : سليمان بجميع نفقاتهما حتى يعوادان إلى السنغال مرةً أخـرى . . وهنـا قمت من فوري لاستغلال هذه الفرصة الثمينة ، وأخذت أبا بكر وموسى جانباً وقلت : - لقد تيسر لكما الآن ما تريدان ، وجميع نفقاتكما متيسرة ، فهل تريدان العودة إلى السنغال بحج فقط ، أم بحج وعلم ؟ ! نظرا إلى بعضهما ثم قالا : - بل بحج وعلم . - حسناً ، إذاً ستدرسان العربية والشريعة قبل عودتكما . رحبا بالفكرة . . وكان ذلكـ ، وهما الآن في السودان . . درسا في معهد اللغة سنتان ، والآن يدرسان الشريعة في إحدى الجامعات هناكـ لمدة أربعة سنوات . . فأسأل الله لهما التوفيق . . ولكل من يسر لهما حجهما . . وتعليمهما . . . . . * * * * * |
الله يجزاك كل خير ابو خبيب وما قصرت.
قريتها كلها والله من اول حرف للاخر. شكرا لك. |
أهلاً بكـ أبـا مهند . . باركـ الله فيكـ . |
بارك الله فيك ..
قرأتها حتى النهاية .. ووفقك الله . |
بارك الله فيك ..
وجزاك الله خير قصه مؤثره جداً فأسأل الله لهما التوفيق . . ولكل من يسر لهما حجهما . . وتعليمهما . . اللهم آمــــــــــــــين |
بارك الله فيك
قرأتها كلها بوقت واحد وأحمد الله انني لم أقرأها بأجزاء والا كان انفقعت من الصبر << تحب تقرى مرة وحده فعلآ كل نهاية جزء يحمس ويشوق أكثر للجزء الثاني يعطيك الف عافيه |
جزاك الله خيرا لي عوده
|
لا اله الا الله بحق قصه رائعه وخاتمتها أروووع جزاك الله خيراً اخوي |
سبحان الله
عجيييييييييييييييييييييييييييييييييـه هذه القصة اخوي ابو خبيب تسمحلي بنقل هذه القصه إلى منتديات أخرى؟؟ |
صـــورة مع التحـــية إلى من أخـــر الحج وتوانى ...
يرفع الموضوع رفع الله قدر كاتبه ،، |
الساعة الآن +4: 08:14 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.