تقدم الحديث عن نتائج حزب العدالة والتنمية ، وفي مقدمتها قرار يُعد عظيماً في شأنه ، وهو منع دخول القوات الأمريكية على أراضيها ، حيث أن واشنطن كانت تضع عينها على ما يُمكن أن يُقدمه الحزب في الحرب على العراق آنذاك ، فقد أطلقت إشارات التمهيد لمساعدة تركيا لامريكا بزيارة المهندس والرجل الثاني في البنتاجون -آنذاك ، زقد استقبل بوش أردوغان في مكتبه في البيت الأبيض رغم أن أردوغان كان لم يمتلك أي منصب لحرمانه من الرئاسة بسبب سجنه في قضية سياسة . غير أن القرار الذي أصدره البرلمان التركي (الذي يُشكل غالبيته حزب العدالة والتنمية) ضد مشروع مرور قوات أجنبية على الأراضي التركية لغزو العراق ، قد أصاب هذا القرار واشنطن بمرارة لا زالت في حلوقهم حتى الآن ، فشنت امريكا حملة على حكومة أردوغان بعدما كانت تلقتها بالترحيب ، ومن ذلك ماكتبته إحدى الصحف وذيلته بأنه استجابة لمطالب المتطرفين الاسلاميين في (دعم الكفار في قتال المسلمين) ، رغم أن أردوغان كان مؤيداً للقرار (إلا أن اللعبة انكشفت بخداع أردوغان لواشنطن ومواساته لها لأجل مصالحه) ، إلا أن اللعبة ستستمر بين واشنطن وحزب العدالة والتنمية في نطاق الصداقة المخلصة والعداء الدفين ! . وهذا ما يُعد درساً لبقية رؤساء العرب ولكن هيهات لمن لا يعرف القراءة أن يُحسن ذلك.
ومن النتائج التي تُعد لصالح الحزب ، قضية الحجاب التي تُعد رئيسة في تركيا -وقد تقدم الحديث عنها بإسهاب- ، وكذلك مصير خريجي مدارس الأئمة والخطباء الدينية ، وإقامة العلاقات مع العالم العربي التي كانت مهمشة من قبل حكومة أتاتورك ، وتقويتها اقتصادياً.
أخيراً .. وهو ما سأختم به هذا الموضوع ، وهو مشكلات هذا الحزب.
من أولها الانضمام إلى الاتحاد الأوربي الذي أدرك الأتراك أنه حلماً لن يتحقق ، وهذا يعكس النتائج على حزب العدالة والتنمية ، بل يُعد في صالح الأحزاب العلمانية المتشددة -كما ذكرتُ ، والجيش المسيطر على الحكومة وقراراتها.
ثانياً ، المشكلة الكردية ، التي تتضاخم مع مرور الوقت ، إلا أن حكومة أردوغان بذلت المساعي لحلها ، حيث سمحت لها بالبث الإعلام باللغة الكردية ، وكان ذلك ممنوعاً ، إلا أن البث لا يتجاوز مدته ساعتان . ومع هذا الفقر والجوع والكهرباء والماء وغيرها مما ستسبب المتاعب للحكومة الجديدة.
ثالثاً ، الأوضاع الاقتصادية ، بداية بمرورها بالأزمة كبيرة الحجم ، حينما تلقى الحزب الرئاسة ، وهذا مما أضعف جهود الحزب في تسوية الأزمة الاقتصادية ، ولو دعم (الأموال الخضراء) من قبل رجال الأعمال الذين يُحسنون الظن بهذه الحكومة ويرونها الحل اللازم لتركيا ، والدعم من قبل الإسلاميين -ولا أدري عن صحة هذا الخبر.
فهذه العوامل الثلاثة من أهم المؤثرات على الحزب ومستقبل تركيا بشكل عام ، ولا يُمكن كذلك تجاهل عوامل أخرى ، مثل احتمالات التقلب في الرأي العام ، وقدرة المعارضة على رص صفوفها من جديد ، وقضية فساد الحكومة إدارياً حيث أنها ناضجة ، وستقع في سلسلة من الفضائح ، بسبب قوة معارضيها (وكلما كان المعارض أقوى كلما كثرت الفضائح) ، وكذلك هناك عاملاً يُعد رئيساً ، وهو الجيش الذي ما زال يتصدى لقرارات الحزب الحاكم ، ويتدخل فيما لا يعنيه ، ومن آخره ما دفع ثمنه الحزب من المحاكمة القانونية بسبب وشاية الجيش ، خصوصاً بعدما تقلد جنرال جديد يُعد من صفوف أتاتورك المتشدد. وأحسب أن حزب العدالة والتنمية قد خلق قاعدة شعبية قوية (وهذا أهم شيء) ، سيحسب لها الجيش والمعارضة ألف حساب ، كما أن قيادة أردوغان عاملاً هاماً على الساحة السياسة ، فقد أثبت أنه الرجل الأقرب شعبياً لتركيا ، بما في ذلك توجهه الإسلامي ، وتلبسه لباس العدالة في نفس الوقت . وأياً كان الأمر فإننا سنظل متابعين لهذه التجربة (الثورة الصامتة) في تركيا بكامل صورها في تفاعلاتها الداخلية والخارجية.
انتهى ، وإن كان هناك سؤالاً فلا مانع منه.
__________________
وللحريّةِ الحمراء بابٌ * * بكلِّ يدٍ مُضرّجةٍ يُدقّ
من مواضيع جبران :
من أول صفحة !
دارفور
المسائل الخلافية الشرعية
تركيا من العلمانية المتشددة إلى الإسلام المتسامح
|