محاكمـــة
لمّا كان الإطراء ثمرة الضّعفاء ، والذمّ عدّة السّفهاء ، وعمدة النّفاق الجدل ، تعوّذتُ بهذه المقدّمة ، وجلستُ منها
مجلس الحاكم ، استنطق لسان الخصمين بما يقوله الحاكم.
قال الحاكم: (وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ). أمّا بعد: فإنّ قابل المدح كمادح نفسه ، فإنْ أظهرتَ حبّك له
كنتَ ثلمة يتلابدون عليك بها ، وشق ينفذون منها إليك. وقد حكمنا عليك بالصّغار إلا أن تتعوّذ بالإخلاص ، ودوام المراقبة لله.
قال الخصم الأوّل: أيّها الحاكم ! مَن يبل المادح يعرف صدقه من كذبه ، فإن تعرف له فضلاً يُعزّك ، وإن تستصرخ
به ينصرك ، فإن أجاب لهذا وإلاّ كذب.
قال الخصم الآخر: كذب -والله ولو صدق ! من العجب أن يُبتلى المادح بالممدوح . فيُريد أن يكشف غبطه أو كرهه !!.
ولقد علمتُ أنه من فرّط في سخرة الإطراء أهلكه النّاس ، فلا تجعل على نفسك للهلاك سبيلاً.
فانفضّ المجلس بإشارة من الحاكم لمّا بلغ قوله : (فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
قلتُ: إن لكل نطفة جزءاً من كل فضيلة ، ولم تبتل النّطف قط ببلاء هو أعظم عليها من غلبة السّفهاء على أسيادهم ، وإيراثهم منازل علْيتهم.
يُتبع -إن شاء الله.
آخر من قام بالتعديل الكامل; بتاريخ 15-10-2008 الساعة 10:58 PM.
|