كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
عودا للأخ برق عفا الله عنا وعنه :
فأقول مستعينا بالله :
أولا : لا أنكر أني استفدت كثيرا من كلامه الطويل , وفيه فوائد جمة جزاه الله خيرا .
ثانياً : أظهر الأخ الكريم برق بطلانا في استدلالاتي بورود بعض الأسماء وجعله استدلالاً متكلفا , ولا أدري أي الأمرين أكثر ظهورا : أفي تكلفي بالاستدلال أم في تكلفه في التخريج ؟؟؟؟
ثالثاً : قال إن الله لم يذكر لفظ الزوج مع أنبيائه صيانة لهن وحشمة وهذا نصه ولم أتجنًّ عليه : " فآي القرآن الكريم تستخدم كلمة ( أهل ) كناية عن الزوج , ولا تستخدم حتى كلمة ( زوج ) أمعانا في صيانة أعراض الأنبياء من الابتذال بألفاظ موحية "
ولا أدري هل خفيت عليه الآيات الكثيرة : " وأصلحنا له زوجَه " >> ما المراد بالإصلاح هنا ؟؟؟
" أسكن أنت وزوجك الجنة " " أمسك عليك زوجك واتق الله "
" يا أيها النبي قل لأزواجك " " وأزواجه أمهاتهم "
فيبدوا أن الأخ برق من حماسه لإنكار التصريح بالاسم نسي نفسه فأنكر حتى كلمة زوج مع الأنبياء , لأن كلمة زوج في نظرة أقل حشمة من كلمة أهل , ويا سبحان الله !
أليس الله تعالى يقول : " جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها " " وخلق منها زوجها " ..
وأرجو ألا يصف استشهادي هنا بالبطلان أو التكلف , فيأتينا بتكلف أشنع منه .
رابعاً : أوافقه أن العرب قد تحتشم من ذكر اسم المرأة , ولكنه ليس دائما , ففي مواطن دون مواطن , وكثيرا ما نراهم يذكرون اسمها في مواطن لم يكن لها داع كبير , ولم يستنكروا أو يأنفوا .
ولكنهم يذكرون الاسم عند أدنى حاجة , وقد يكون بلا داع أحيانا , ولا أدل على ذلك من حديث جابر في الصحيح : لما قتل أبي جعلت أكشف التراب عن وجهه والقوم ينهونني , فجعلت عمتي فاطمة بنت عمرو تبكيه ... الحديث ,,
فلماذا صرح جابر باسم عمته هنا , وهل هنا من داع ؟؟
كان بإمكانه أن يقول : فجاءت إحدى عماتي وكشفت عن وجهه , وهو مُصدَّق بما يقول ..
وجاء في صحيح مسلم في كتاب الحيض أن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلتْ أسماء بنت شَكلٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت : يا رسول الله ! كيف تغتسل إحدانا إذا طَهُرَتْ من الحيض ؟ .. الحديث ,,
وجاء في آخره قول عائشة رضي الله عنها : " نِعْمَ النساء نساء الأنصار , لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين "
فليت شعري ! هل أزالت الصِّدِّيقةُ بنت الصديق رضي الله عنهما الحشمة عن هذه الصحابية وفَضَحَت اسمها على رؤوس الأشهاد ؟؟؟ , ولا سيما أن اسمها ورد في معرض الحيض والغسل منه ,, وأي حياء وموقف أصعب من هذا الموقف ؟؟؟
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر , ويكفيك أن تفتح الإصابة لترى كيف أحصى ابن حجر أسماء الصحابيات , فكيف عرف أسماءهن ؟؟؟
وكيف أنه ينقل كثيرا من ابن سعد صاحب الطبقات , وأن ابن سعد يبحث عن أسماء أمهاتهن فيقول مثلا : فاطمة بنت علقمة ,,, هاجرت مع زوجها سليط بن عمرو إلى الحبشة ,, وأمها عاتكة بنت أسعد
وقال : فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية ,, كانت من المهاجرات الأول ... وأمها أميمة بنت ربيعة من بني كنانة ..
الغرض من استشهادي هنا : أننا كيف علمنا أسماء الصحابيات بهذه الدقة إلا لأن الاسم كان معروفا عندهم متداولا , ولو لم يكن كذلك لما وصل إلينا .
وكيف أن المؤرخين كانوا يعرفون أسماء أمهاتهن أيضا دون أن يجدوا حرجا في الكشف عن هذه الأسماء , وربما ساقوا القصص والنوادر , وربما ذكروا أن هذه المرأة باسمها الصريح كانت مشهورة بالجمال والعقل كما ذكر ابن حجر في ترجمة فاطمة بنت قيس .. فأين الاحتشام هنا بارك الله فيك ؟؟؟
أم ترى أن ابن حجر كشف عيوب الناس قديما من حيث كانوا يخفونها ؟؟؟؟
أم ترى أن المؤرخين وأصحاب السير كانوا يطرقون البيوت ليسألوهم عن أسماء نسائهم ليتم تدوينه في التاريخ كما يفعل رجال التعداد السكاني ؟؟
وأما قولك إنهم يستحون من ذكر اسمها عند الأغراب واستدلالك بحديث " أخبرني بعض نسوة النبي صلى الله عليه وسلم" وأن ابن عمر لم يسمها لزيد بن جبير لأنه غريب منها , فهذا تخريج من ابن حاتم وليس بلازم , فهو اجتهاد محدث غير قطعي , وهو محجوج بما هو أصرح منه :
فقد أخرج مالك في الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت ميمونة بنت الحارث , فإذا بضِباب , ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد , فقال : من أين لكم هذا ؟ قالت : أهدته إليّ أختي هزيلة بنت الحارث ,,, " وأصله في الصحيحين .
فلماذا لم تقل ميمونة : من أختي وكفى ؟ أو من أحدى أخواتي , بل صرحت باسمها أمام الأغراب كخالد بن الوليد وابن عباس .
ولا تقل لي إن ابن عباس كان ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم فليس غريبا ,, لأننا في زماننا نستعيب من ذكر أسماء اخوتنا عند أبناء عمومتنا ونعدهم أبعد الناس .. والله المستعان .
وأخرج الحاكم وغيره ( في الإصابة ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا أبا هريرة ليستعمله , فأبي أبو هريرة أن يعمل , فقال عمر : أتكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك ؟ قال : من ذاك ؟ قال : يوسف بن يعقوب , قال : يوسف نبي ابن نبي , وأنا أبو هريرة ابن أميمة ...
فلماذا لم يخجل أبو هريرة من التصريح باسم أمه أمام الغريب عمر ؟؟
كان بإمكانه أن ينتسب لأبيه صخر الدوسي المغمور فيكون له حجة أمام عمر .
وجاء في الإصابة أن تماضر بنت الأصبغ كانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه , فطلقها طلقتين , ثم مرض فجرى بينهما شيء , فأمرها أن تخبره إذا حاضت ثم طهرت , فلما حصل منها ذلك أرسلت رجلا إليه , فمر هذا الرسول ببعض أهله , فسألوه : أين يذهب , فقال : أرسلتني تماضر إلى عبد الرحمن أعلمه أنها قد حاضت ثم طهرت .. القصة .
والشاهد منه هنا : أن هذا الرسول لم يأنف أو يستنكف أو يتورع من ذكر اسم المرأة التي أرسلته بشأن يستحى منه وهو الحيض والطهر , فذكر اسمها عند أهله دون تحرج , وهم أغراب عنها .. وكان بإمكانه أن يقول : أرسلتني زوج عبد الرحمن أو أهله دون التصريح بالاسم .
خامساً : جاء في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم غيّر أسماء بعض الصحابيات , فغيّر عاصية بنت عمر إلى جميلة , وغير بَرّة إلى جويرية بنت الحارث زوجُه المعروفه , وغير بره بنت أم سلمه إلى زينب ..
وهذا يدل على اهتمامهم بأسماء البنات والنساء , وأنه غير مستنكر دورانه عندهم .
سادساً : نجد في كتب الطبقات وتراجم أعلام النساء والصحابيات اختلافهم في تسمية بعض النساء فهذه فاضلة وقيل اسمها فاطمة ,, وهذه أميمة وقيل أمينة ... وهذا يدل على اهتمامهم بصحة الاسم وأنه أمر يحرص عليه أهل العلم في توثيقه .
سابعاً : أما قولي بأن حديث : " يؤذيني في أهلي " مثل : " ما بال أقوام " فالمقصد منه أن التصريح بالاسم قد يكتنفه علة أقوى منه تقتضي كتمانه لمصلحة راجحة , وليس المراد هنا اتفاق العلتين .
وأما استدلالي بحديث " أي الزيانب " فلا يخفاك أن السؤال هنا كان بقول : أي الزيانب , بمعنى أن هناك أكثر من زينب معروفة لدى النبي صلى الله عليه وسلم , فيريد معرفة المقصود والتعيين .
وأوافقك في حديث : لو أن فاطمة بنت محمد ,,,
وقد أسلم معك بأن اسم المرأة لا يرد إلا عند الحاجة , فأقول :
من يقدر الحاجة قدرها ؟؟؟
كل شخص له وجهة نظر في تقدير الحاجة !
فقد أقول لك : إن التصريح باسم العروس وأنها فلانة بنت فلان حاجة قوية , ليعرف الناس أن هذه المرأة قد تزوجت , فقد يكون لأحد غرض في خطبتها فيعلم بهذا أنها ذهبت , وقد يريد خطبة أختها الصغرى فيعلم أن فلانة التي أكبر منها تزوجت .. إلى غير ذلك من الحاجات التي قد تَعِنُّ في الموضوع .
سابعاً : نجد أن من العرب من تكنى باسم امرأة أو انتسب إليها فهذا أبو مليكة , وذاك ابن أبي ليلى , وهذا عمرو بن هند , وهذا ابن ميادة , وهذه أم حبيبة , وأم سلمة , وأبو ليلى الغفاري .. الخ
فهل تراهم يكتنون بما لا يشرفهم ؟
أو يتلقبون بما يستحى من ذكره ؟؟؟
ثامناً : أنت نظرت إلى قول عائشة ( أهله ) تقصد نفسها , في موقف نفسي عصيب عليها , وصرحت بالأهل هنا لتبين للسامع أنها ليست مجرد اسم يتردد وإنما هي أهل لهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومع ذلك امتحنت في شرفها ونسبها .
ولم تنظر إلى أحاديثها الكثيرة التي تصرح فيها للراوي أنها تغتسل مع رسول بإناء واحد , وأنها تمشط الرسول صلى الله عليه وسلم وهي حائض , والراوي عنها يذكر اسمها دون غضاضة أو استشكال لورود اسم زوج النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام , ولو قال :عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لربما كان يكفيه .
أم هل قرأت أن عائشة وأم سلمة روَتا أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن احتلام المرأة .... فهل من حاجة أن تذكر الصحابيتان اسم السائلة ( أم سليم ) في مثل هذا السؤال المحرج جدا ؟؟
قد تقول : إن ( أم سليم ) كنيتها وليس اسمها .
فأقول : إنها امرأة اشتهرت بكنيتها فصار كالاسم لها , كما في أم سلمة وأم حبيبة وأبي بكر وأبي هريرة ..
وحينما تقول عائشة للرواة أن أم سليم قالت كذا فإنهم سيعرفونها لا محالة , لأن أم سليم أشهر من أن يجهلها القوم .
تاسعاً :
أخي الكريم برق :
أقرأ كثيرا في كتب التاريخ والأدب , فأجد أسماء النساء تمر من يميني وشمالي دون غضاضة , وأسماء نساء كريمات النسب شريفات الحسب , في الجاهلية والإسلام , فقرأت في الاشتقاق لابن دريد والكامل للمبرد وكتب الجاحظ وأغاني أبي الفرج وتاريخ الطبري ما يملأ مجلدات ضخام من سير النساء وأسمائهن من كريمات العرب ونسائهم الحرائر العواتق .
فضلا عن كتب التراجم الخاصة كالإصابة وأعلام النساء والاستيعاب وغيرها .
فهل ترى هؤلاء العلماء لم يفطنوا إلى ما فطنتَ إليه من حشمة المرأة وستر اسمها وإخفائه صيانة لها ؟
بل هل نحن أرفع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبته الكرام صيانةً لأنفسنا وأهلينا من أن تبتذل أسماء نسائنا , ونحن نعرف الدقيق والجليل عن حياة نسائهم وأسمائهن وأنسابهن , ومتى تزوج بهن , ومن هي الجميلة منهن , واسم أبيها واسم أمها وأختها وأخيها .. الخ مما هو مفصل في الكتب ؟؟
وفي النهاية أخي الكريم :
الحديث يطول ويتشعب , وقد لا نجني فائدة كثيرة من ذلك , ولستُ هنا ألزم أحدا بذكر الاسم أو كتمانه , فهي رغبات وقناعات خاصة لدى الناس , وكل له حجة ودليل , وقد علم كل أناس مشربهم , وإن كنتُ عنفت على أحد أو شنعتُ عليه فأعتذر عن ذلك وأستغفر الله تعالى أن أنتصر لرأيي أو ألجلج فيه .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]
|