أيتها الفاتنة .. جئتِ في الوقتِ الخطأ !!
*
السابعةُ والنصفُ من صباحِ السبتِ ..
مُستكِنٌّ في سيارتِه , ينتظرُ إحماءَ محركِها , داخلَ فناءِ منزلِه ..
جوارَ حديقةٍ صغيرةٍ لم يشاركـْهُ أحدٌ غرسَ وسقاية أشجارها ..
فبينـَه وبينَ الورودِ عشقٌ أزليٌّ !
بيمينهِ بقية كوبِ شايٍ , تعودَ إكمالَه في السيارة ..
ليبقى هناكَ تحتَ أقدامِ الراكبِ ..
جوارَ فردةِ حذاءٍ صغيرةٍ .. وبقايا أكياسِ حلوى ..
وأكوابٍ تترى , في الصباحاتِ القادمةِ .. حتى آخر كوبٍ في منزلِه !
فوضويٌّ هو في كلّ شيءٍ .. حتى مشاعره !
يتنقل بين إذاعاتِ ( الراديو ) ..
فيتمتمُ بينهُ وبينَ نفسهِ ..
( * بـِكَ أصْبحنَا ) ..
. مممممم . هذا البرنامجُ إذاعةٌ مدرسيةٌ ..
يصطفُّ له الطيبون فقط .. أنا لستُ منهم !
( * حركةُ السّير ) ..
وما شأني أنا بازدحامِ العاصمةِ واختناقاتِها ..
كان حريّ ببثـّهِ ألاّ يتجاوز حدودَها !
( * صوت الصباح .. فيروز !! )
أيّها الصباحُ .. يا صوتَ الماءِ والتغاريدِ , امسحْها في وجهي ..
نسبوا لكَ نعيقَ مومياءَ شمطاءَ ! أيّ إجحافٍ هذا ؟!
( * ارتفعَ سعرُ برميلِ الـ ... ) ..
وما علاقتي أنا , ليرتفعْ كيفما شاءَ ..فهوَ ليسَ برميلي !
المهم ألاّ يرتفع سعرُ برميلِ مطبخي !
لا يبدأ كلامَه وابتسامته إلاّ بعدَ العاشرةِ , ولم يغبطِ المعلمين قط ..
بل يُشفِقُ عليهم , ويرثي لهم .. ذاتَ سخريةٍ .. سألَ أحدَهم :
باللهِ عليكَ .. كيفَ تستطيعُ أنْ تتحدثَ في الحصةِ الأولى ؟!
أمامَه مباشرة وردةٌ , تـُطلّ عليه من خَلفِ سياج حديقتِهِ ..
تفتحتْ قبلَ قليلٍ , تداعبُها نسماتُ الصباحِ بكلّ تحنان ..
تتمايل معها وكأنها تودعه , نظرَ إليها ..
أيتها الفاتنةُ .. جئتِ في الوقتِ الخطأ !!
هذا استفزازٌ منك يا جميلتيُ ! أنتِ تسخرين منّي , أليس كذلك ؟!
وإلاّ لِمَ اخترتِ هذا الوقتَ بالتحديد ؟!
فصباحُ السبتِ ليسَ مناسبـًا لبثّ جمالَِك ورحيقَِك ..
أينَ أنتِ قبلَ أمس ؟!
تمايلتْ وردتـُه مع نسمةٍ رقيقةٍ , وأشاحتْ عنهُ ..
ولسانُ حالِها .. بلْ أينَ أنت أيام الأمس ؟!
هاهنّ تريباتي الذابلات , سبقنني في التفتح ..
ونثرْنَ جمالا وعطرا , تاه في غياهب قلاك ..
ثمّ انتحرْنَ غيظـًا !
تـُرى من سلبك مِنـّا ؟!
ذاتَ انبثاقِ نورٍ , مررتَ من هنا ولم تعِرْنا اهتمامًا!
مشدوهـًا ! عانقت اليراعَ والورقَ , تنثرُ الحرفَ لذاتِ الحتفِ ..
جُلّ همـّك أن تنسجَ مِنـّا طوقـًا تضعُه حولَ جيدِها !
نتفتّحُ كلّ يومٍ , ونهدي الكونَ جمالا..
ثمّ لا تشعرُ بنا ألاّ في الوقتِ الخطأ .. على حدِّ زعمِك ..
فتعاتبنا ! و أنت مَنْ يختارُه !
يا سبتُ ..
نحنُ من علّمَ الأطفالَ بغضَك ..
نحنُ من علّقّ فيكّ حبالَ المشانق لكلّ فرحةٍ وجمالٍ !
عبسنا في وجهك ! فبادلتنا العبوس
أنت وثلاثةٌ يلونَك , لستُمْ إلاّ سفرًا ومطيّةً ,
للوصولِِ إلى الأربعاءِِ . الضّحوكِ ..
ذلك اليوم الذي تكتظّ فيه مشاعرُ أُنسِ العودةِ وأهازيجِها ..
في صالاتِ المطاراتِ والطرقِ السريعةِ ..
وعندما نصلُ نكتشفُ أنّنا الخاسرُ الأكبرُ في هذهِ الحماقةِ !
فليسَ هناك ما يستحقُّ دفعَ ثمنٍ باهظٍ من أيامِ عمرِنا ..
لقاءَ يومٍ واحدٍ !!
غالبًا ما يُجهَضُ بشيءٍ من صَرفِ دنيانا .
*
__________________
.
. . ما أقربك يا الله !
.
|