( 2 )
اللقـاء
الشيخ محمد يتحدث :
بـدأت فصـول هـذه القصة عندمـا انطلقـت من " السعـوديــة " متجهــاً إلى " تـشـــاد " ، وتحـديـداً . . إلى
العـاصمــة " نجامينا " . .
كان ذلكـ في صيف عــام 1416هـ ، وكانــت رحلتي رحـلــة دعــويَّـــة ، وكان مرافقي هنــاكـ هو رئيس
جمـاعــة أنصـــار السـنَّـــة المحمديَّـــة فــي " تـشـــاد " .
وللعـلــم . . فإن " تــشــــاد " دولــة عربيَّــة ، تقع إلى غــرب " الـسُّــودان " ، وعــدد الـنَّـــاطقين
فيها باللغــة العربية يؤهلهــا لأن تـكــــون دولة عربيــة ضمن جامعــة الــدُّول العربيــة .
وكــان من ضمن الأعمــال التي علي القيـــام بهـا فــي " تــشـــاد " الاطلاع على سير العمــل في مسجــد
تبرعـت ببنـائـه إحــدى المحسـنـــات ، ويقــع فـي بلدة ليست بالبعيدة كثيراً عن العــاصمــة ، وتــدعــى :
" الـحــديــدة ".
انطلقت أنا وصاحبي [ رئيس الجماعة ] ومعنا اثنان آخران متوجهين إلى هنــاكـ . .
كنا نعلو ونهبط في السيـــارة طــوال الطريق ، إذ لا يـوجــد في " تــشـــاد " الكثير من الطرق المعبدة ،
فقد بلغ بهم الفقر المدقع حــدًّاً غـيــر متصــور ، ولكـ أن تتخيّل أنه لا يوجد في " تــشـــاد " طرق معبدة ،
سوى بعض من الشوارع المعبدة الصالحــة لسير السيــارات عليها ، وتـقــع هــذه الشــوارع المعـدودة
في العاصمة " نجامينا " .
ولــذا . .
فقد كـنّــا بالطبــع نسير على التــراب . . ولــكـ أن تتخيــل حالنا في هذه الطرق الصحراويــة . . !
كـمــا قلت لـكــمـ . .
سـفــري إلــى " تــشــــاد " كـان صيفــاً ، وفـي الوقــت الــذي كــانــت فيـه " نــجـــد " تــغــلي
بفعــل أشعـــة الشمــس ، كــانــت الأمــطــار تـهـــطــل بـغـــزارة عـلــى " تــشــــاد " .
وهـذا ما انعكــس سلبــاً على الــطّريق التي كــنَّــــا نـسـلـكـــهـــا . .
كــنّـــا خـائــفيــن من التّــيــه . .
ولـذا . . كـنــا نـراقـب الطريق باستمــرار ، ونــحـــاول ســؤال من نــصــادف في الـطــريق ،
وأنّــى لـكـ أن تـجـــد أحــداً هـنـــا . .
في الــبــرّ ! !
بـعـد مسير طـويــل ، لمحنــاه من بعيــد ، شخــص يسيــر عـلـى مـهـل ، انعطفــنــا باتجــاهــه ،
بنفــس الـوقـــت الــذي بــدأ هــو بالتلويــح لنا بالمجيء .
طـبـعــاً . . يـهـمُّــه مجيئنــا كثيراً ، فـلــو تركنــاه ، فربمــا سيحتــاج ليومين أو ثلاثة ريثمــا تبصــر عينــاه
سيــارة أخــرى في هــذه الصحـــراء الـمـــجـــدبــــة ! !
اقتــربنـــا منــه ، ومــا إن اتضحت ملامــح الرجــل حتى هتف صاحبي :
- أبو بكــر ! !
من الواضــح جداً أن صاحبي قد تعرّف هـذا الرجــل . . سألنــاه عن الطريق .
فقــال :
- أنتم متوجهــون إلى " الـحــديــدة " ؟ ؟
رد صاحبي :
- نعم .
- إذاً سأرافقكمـ . . فموسى هنــاكـ .
- أيــن ؟
- في " الحـديــدة " .
- إذاً . . هيّـا بنــا .
ركــب أبــو بـكــر معنــا ، وعنـدمــا عـرفــه بنــا صاحبنــا رئيس الجمــاعـة ، التفــت إلينــا ،
ثم وجــه سؤالــه إلى الســائق :
- هل حججت ؟ ؟
- نعم .
التفت إلى صاحبنا رئيس الجمـاعـة :
- وأنــت ؟ ؟
- نعـم ، الحمد لله .
التفت إلي وأعاد علي نفس الســؤال :
- وأنت ؟
- نعم ، ولله الحمد .
التفت إلى آخــرنــا ويبدو أنّــه كــان موقنــاً بالإجــابة :
- وأنت أيضاً ؟ ؟
- نعم .
أطـلــق صــرخــةً غريبـة وحـزينــةً في الـوقــت ذاتــه ، لـم تـكــن صــرخــة بالمعنـى الفعلــي . .
- كلكم إلا أنــا ! !
كــان صـوتــاً يعبــر عن ألــمٍ كـامـن في صــدر هـذا المخلوق الـذي أمـامــي .
التفــتُّ إلـى صـاحــبي مستوضحــاً الأمــر ، وكأنــه فهـم السُّــؤال الذي يدور في رأســي ،
فـأجــابنـي :
- هـذا أخــونــا أبـو بـكــر من " السنغــال " .
- من " السنغــال " ؟ ؟
- نعم ، خـرج يـريــد الحــج قبل سـتِّ سـنـيـن ، وانقطعــت بـه الـطّـــريـق هـنـــا .
يـا إلهــي . . سـتُّ سـنــيــن ! !
التفــتُّ إلــى أبـي بـكــر والذي كـان غـارقــاً في صمــت حــزيــن . .
تـشــوقــت لـسـمــاع خـبـره . .
يبــدو أنَّ وراء هـذا الـَّرجــلُ قـصــة غريبـة ، وعجيبـة أيضــاً . . لـكــن . .
مــا هـي ؟
الله أعـلــم . .
الذي أعـرفــه . . أن عمر هـذه القصة يمتدُّ لـسـتِّ سـنــوات . . وفقـط . .
سـألـتــه أن يـخـبـرنــي خـبـره وقـصـتـه . .
فـبــدأ ينبـش فـي ذاكـرتــه . . ويـسـتـعـيــد لي ذكـريــات مـاضـيـه الألـيـم . .
رفــع رأســه . . ومـضـى يـسـرد لـي تـلـكـ الـقـصَّـة الـعـجـيـبـة . .
قــــال :
.
.
.
* * * * *
__________________
( لو كانت الدنيا تبراً يفنى والآخرة خزفاً يبقى لكان ينبغي للعاقل إيثار الخزف الباقي على التبر الفاني ،
فكيف والدنيا خزف فانٍ والآخرة تبرٌ باقٍ )
يحيى بن معاذ _ رحمه الله _
آخر من قام بالتعديل أبـو خـبـيـب; بتاريخ 04-05-2007 الساعة 10:03 PM.
|