مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 28-04-2008, 01:22 AM   #9
كـــــوفـــــان
Registered User
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
المشاركات: 28
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها صالح جزرة
شكرأ أخي :
ولكن أعتقد أن تأويلك للنص ليس في محله , وتأمل معي النص كاملاً :
وعن أَبي الدرداء - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول :
(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَريقاً إِلَى الجَنَّةِ، وَإنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضاً بِمَا يَصْنَعُ ، وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الحيتَانُ في المَاءِ ، وَفضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ ، وَإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يَوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ )) . رواه أَبُو داود والترمذي .

فالحديث كله حول االعلم , وظاهر النص هو العلم الشرعي , فالأنبياء لم يكونوا علماء ذرة أو أحياء أوغيرها من العلوم , وإنما كانوا علماء عقيدة وشريعة .
أما بالنسبة لتأويلك من أن المقصود بهم الكتاب , فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أمياً , , ولو تتأمل معي فإن ( كل عالم كاتب وليس كل كاتب عالم ..) , إذن فتأويلك بأنهم الكتاب يصبح المعنى منقوصاً من جهة , أما لو اخترت العلماء فإنه سيكون شاملاً , بناءً على ماذكرته لك آنفاً من أن( كل عالم كاتب وليس كل كاتب عالم ..) , وهذا من أحد أسباب الترجيح ـ كما هو معروف في علم الأصول ـ

أما قولك ( أغلب المظان عندي أن العلماء هم الكتّاب الناضجون الذين يحركون الأذهان , ويحاربون الظلم , ويقمعون المترفين الذين استأثروا بالمال على فقراء الأمة , فهم في كتاباتهم يحاربون الفساد كما كان الأنبياء يحاربونه ,)
فلو راجعت أخي سير الأولين وخصوصاً في عصر بني أمية لاكتشفت بنفسك من كان يحارب الظلم , ومن كان يقود الحركة العلمية التي فتقت أذهان الناس , أما بالنسبة للترف فقد بالغ برده بعض العلماء حتى نسب بعضهم للتصوف , ويكفيك من الأمثلة ( الحسن البصري , الجنيد , معروف الكرخي .... )
قد يكون بعض العلماء قد خالط السلاطين وتقلد مناصب عندهم ك ( كقاضي القضاة ) ونحوها , ولكن كان عندهم تأويل لذلك وبعضهم كان ذلك المنصب خيراً له وللمسلمين , مثلما حدث مع أبي يوسف ـ وهو من طلاب أبي حنيفة ـ حيث تولى القضاء ـ قاضي القضاة في عصره ـ مع ذلك وضع كتاباً لإدارة الجانب الاقتصادي من الدولة , وهذا الكتاب ـ لمن يعرفه ـ هو من الكتب العظيمة , بل لقد قال بعض المعاصرين , إنه اللبنة الأولى لمبادئ الاقتصاد الإسلامي , وهو كتاب ( الخراج ) .

أما قولك ( إن الفقير بحاجة إلى المخبز أكثر من المسجد , فلذلك نجد الأغنياء يعمرون المساجد ظنًّا منهم من أن الله سيغفر لهم , وسيثيبهم على فعلهم حين حرموا مالهم الفقير , واكتـنزوا المال , فهم مترفون في الدنيا بمالهم ..)
فقد يكون هناك مبالغة من قبل بعض التجار لبناء المساجد وزخرفتها , ولكن هناك منهم من يعطي الصدقات ـ غير الزكاة ـ الشيء الكثير , ولو كان لك اتصال بالجمعيات الخيرية لتبين لك ذلك , لأن هذا الأمر ليس على ظاهره , والتجار منهم من هو صاحب أوقاف عامة , ومنهم من هو بناء للمساجد , ومنهم من هو للأرملة واليتيم , ومنهم من هو للإعلام , ومنهم ... ألخ , وكلٌ على خير , وكل ميسر لما خلق له , فالحياة تقوم على التنوع , ويكيفي التجار قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَالَ « وَمَا ذَاكَ ». قَالُوا يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً ». قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ». أخرجه مسلم .

فنحن لسنا شيوعيين ولا رأسماليين , بل بين هذا وذاك , فالتاجر ملزم بالزكاة , ومرغب بالصدقة , وليس من حق أحد سلبه ماله بحجة دعم الفقراء , وليس من حق التاجر منع الزكاة بحجة الجمع , وليس من حقه المتاجرة بالحرام ـ المجمع على تحريمه , كالربا ..

أما قولك ( إن مثل هذا الفعل منهم عبارة عن استغفال لله تعالى , فهم يحسبون أن الله غافل عما يعملون بمالهم الذي هو عارية عندهم .. )
فأنا أربأ بك عن هذا الخطاب , حتى من يقرأه يظن أنه يقرأ لأحد المستشرقين .
وأقول لك أخي : مهما بلغت من الانفتاح على الدراسات الفكرية , والأطروحات الفلسفية , فنصيحة مني إياك والذات الإلهية .. , فأنت تتكلم عن خالق هذا الكون ومصرفه , لست هنا واعظاً ـ وذلك فن لا أجيده ـ , ولكن فكر بعقلك في الآيات من حولك , سترى عجباً , تأمل معي هذا النص النبوي ـ الذي يصححه بعض أهل العلم كابن كثير ـ عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أذنَ لي أن أحدثكم عن ملك من حَمَلة العرش: بُعْدُ ما بين شحمة أذنه وعنقه بخفق الطير سبعمائة عام".
قال ابن كثير وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات.
إن العقل ليحار في التفكير , وأنا أقول ( إنه الله ... لا إله إلا الله )

أما قولك أخي ( حركة الأنبياء هي حركة إصلاحية , تندد بالظلم , وتقضي على الفساد , وتدعوا إلى دين اجتماعي إصلاحي , وعلماء الشريعة على مر العصور لا يحاربون الفساد ولا يحركون أذهان الشعب , وإنما الكتّاب هم الذين يقومون بهذا الفعل , كما فعلوا في الثورة الفرنسية , وعودة حق الزنوج السود في أمريكا وغيرها .)

فالجزء الأول أوافق عليه ـ وإن كان لي تحفظ على الصياغة ـ .
أما الجزء الأخير , فاعذرني بالقول إنك تقرأ في تأريخ أوربا أكثر من تأريخ القرون الأولى , وإلا يكفيك ( ثورة ) ابن الأشعث على الحجاج , وأغلب جنودها القراء والعلماء ومنهم سعيد بن حبير والشعبي .
وحديث الناس عن العلماء الذين سجنوا على مدار التأريخ , حديث مطول ,بل أحياناً مكرر , فاستغرب أنه فاتك ( من الفوات ) .


أما قولك أخي ( الكاتب الحصيف خير من ألف عالم شريعة , فإن كثيرًا من صفات النبوة متوافرة في الكاتب المصلح , حيث ينادي بالعدل والمساواة , ويندد بالظلم , ويبحث في المشاكل الاجتماعية , فيعالجها , ويضع الحلول المناسبة لها)
لا أوافق عليه , وقد سبق وأن بينت الفرق بين الكاتب والعالم , بل قد يقول قائل هناك كتاب ساندوا الظلم مثل ( ابن المقفع ـ عبد الحميد الكاتب ـ الزيات ـ الفضل بن الربيع , وغيرهم )
أما عن صفات النبوة , فهذا كلام كبير , ولا أعتقد أحداً يدعي أن فيه ( الكثير من صفات النبوة ) ولو كان من أكابر علماء وزهاد عصره , فضلاً عن أن يكون كاتباً لا أكثر .

ملاحظة : أخي فيك حماسك لفكرتك , وهذا جيد , ولكن حاول وزن ألفاظك وكلماتك , ودع الفكرة تدور في ذهنك كثيراً ,
وقلبها ذات اليمين وذات الشمال , فليس كل فكرة تخرج لك من قراءة كتاب ( ما ) تخرجها للناس , وتبدأ في صف الكلمات ( ذات الوزن الثقيل ) لها , بل دعها في عقلك , وتأمل النصوص الواردة حولها , وأكثر من البحث والمناقشة ـ مع من تثق برأيه وعلمه ـ عندها ستكون قد ( طبختها ) فاستوت لذيذة للقراء يأكلونها بلا تعب ولا غصص , ولست بحاجة لكلمات لكي تقنع الناس , فيكفي في الفكرة ( صدقها ـ وتأصيلها ) .

أعلم أني أطلت ـ مع أني أقول لنفسي إنك قد اختصرت ـ ولكن أرجو أن تتقبل مني ذلك ولك مني كل الشكر والاحترام .
وقد يكون هناك أخطاء مطبعية , لأني لم أراجعها , والعتب على الظرف الطارئ .
وشكراً

رد علمي مؤصل , وفيه من الصواب الشيء الكثير .

بودي أن أسألك اخي الكريم :

حركات الأنبياء الرسل هل كانت ساكنة بغير كتبهم أم أنهم جاهدوا في الله بأنفسهم وأموالهم ؟

يبدو أن الجواب أنهم لم يكتفوا بالكتب المنزلة الداعية إلى دينهم التي تخاطب العقول , وإنما جاهدوا باللسان والسنان .

لذلك ؛ نرى أنهم لم يقعدوا في مجالس الفتاوى ويصدرون تعاليم الإسلام فحسب , بل حركوا أذهان الناس من حولهم , وحفزوهم على أن يقضوا على كل فاسد ضار .

الكتّاب المخلصون اليوم فيهم هذه الميزة , فهم صادقون , مخلصون , وينشدون تحريك أذهان الناس إلى ما يصلحهم , فهم يخاطبون أصحاب العقول كما كان القرآن يفعل .

ليس من السهل التسليم لأصحاب العلم الشرعي الذي يصدرون الكتب الشرعية , ويقف حدهم عند الفتاوى فحسب ؛ من أنهم هم العلماء دون غيرهم , فالعالم هو الذي يرشد الناس , ويبحث في قضاياهم , ويبصرهم في شئون مجتمعهم .

العالم الشرعي اليوم , متكئ على أريكته , وينتظر من الناس السؤال ثم يجيب , بينما الكاتب هو الذي يذهب إلى الناس بحديثه , فيحرك أذهانهم .

تحياتنا .
كـــــوفـــــان غير متصل