بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » .:: [ سأتركها وأموت ] .. [ هذه اليد اللعينة ] .. [ قصة ] ::.

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 06-11-2007, 05:59 PM   #1
أبـو العبـــاس
عـضـو
 
صورة أبـو العبـــاس الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
البلد: هناك ! حيث حبال المشنقة ..
المشاركات: 649
.:: [ سأتركها وأموت ] .. [ هذه اليد اللعينة ] .. [ قصة ] ::.


.:: [ سأتركها وأموت ] .. [ هذه اليد اللعينة ] .. [ قصة ] ::.


شخبطها : أبو العباس


____________________


ذات مساء والقمر يلف بضوئه الأرض ومن عليها ، المكان ساكن لا حراك فيه ، لا تسمع إلا حفيف الشجر من هواءٍ ينساب بتردد فيكوّن نغمًا تطرب له الأنفس وتلذ الآذان ، مرّت الدقائق مثقلة بالوجوم والترقب ..
- لا شيء هنا ..
هتف بها وهو يلتفت يمنة ويسرة مخترقًا ببصره التلال المترامية البعيدة علّه يرى إنسانًا أو طيف جان !!
جوّاله المتعلّق بيده يهزه يمنة ويسرة وهو يهتف غاضبًا بصوت عال :
- جوّال لعين ، لعنك الله ولعن شركة الاتصالات معك ، ولعن ........ معكم !!

لم يوقف لعناته حتى أتى على كل من يظن أنهم سبب في منع أبراج الجوال في هذه المنطقة النائية ..


صعد التل المجاور لاهثًا ، وجلس في أعلاه وكأنه يعلن أنه أصبح سيّد المكان .. ضحك عاليًا حين خطرت له هذه الفكرة ، نعم أنا سيّدٌ هنا .. سيّد على الشجر ، والأعشاب ، وعلى تلك الطلحة البعيدة ، وعلى السيارة العالقة في الرمال ، بل وعلى نفسي !!


- على نفسي !!
صوّت بالعبارة ، فقطع حاجز الصمت المطبق على المكان ، وراح يردد ببلاهة :


- سيّد على نفسي !!


هل كنت يومًا ما سيدًا عليها ؟؟


أم هل خرجَتْ هي عن سيادتي يومًا ؟؟


أم هل سيادة النفس عليّ أولى ؟؟ أم سيادتي على نفسي ؟؟


وما الفرق بيني وبين نفسي ؟؟


ألست أنا نفسي ونفسي أنا !!


ضحك ببلاهة وهو ينظر إلى سيارته العالقة في رمال الصحراء وازداد ضحكه وهو يتمتم :
- ها قد بدأ درس الفلسفة هنا .. ولكن لا بأس فهو خير من التفكير في الموت !


قطّب جانبيه مفكرًا ..
أحقًا سأموت ؟؟
صاحبي حسن ، زميلي صالح ، خطيبتي نورة ، الحوش ، التحدي غدًا بالمقطوع ، العشاء يوم الأربعاء في مزرعة الـتركي بالضلفعة ، الخميس زواج عبد العزيز ولد جيراننا = كلها سأتركها وأموت ؟؟



الموت !!
والتفت فزعًا كأنما الموت بجانبه ..
- كلا لن أموت !!
صرخ بها وهو يقفز واقفًا ويجري من غير هدى صارخًا فزعًا كأنما تطارده ذئاب العالم كلها .. حتى إذا ما وصل إلى الطلحة أخذ في الصعود إلى أعلاها ، من بين الأغصان والشوك ، ويداه ترتجفان وعرقه يسيل وهو يلهث تعبا فما أن وصل أعلاها إلا وصاح بأعلى صوته :
- النجدااااه ..
- يااا ناااااس ..
- ووآآآآآآ أين أنتم ..



صاح حتى أعياه الصياح ، وضاع صوته في الصحراء الكبيرة ، وبقي على هذا إلى أن بُح صوته وسقط من الطلحة منهكًا متعبا مشتتا ..




- حسنًا لن ينقذني أحد ، ولن أنتظر رحمة أحد ، أهلا بالموت الآن ..




ونظر إلى سكينه التي التقطها من السيارة ، وتحسس ذؤابتها ، ثم وضعها فوق ثديه الأيسر ، وأمسك بالنصل بقوّة ..
- لا ، هكذا سأبقى أرتجف وأتعذب ..




أبعدها بسرعة ووضعها في رقبته عند وريده ، لا يدري لِم ارتجفت يده في تلك اللحظة ..
- هذه اليد اللعينة لا تنفع إذا احتيج إليها أبدًا ..

أمسك السكين بيده الأخرى ووضعها على وريده حتى إذا ما لامست جلده أحس بقشعريرة باردة ، وتصبب العرق على جبينه ، تذكّر ابن جيرانهم الصغير كيف أنه كان حييًّا فحين يُكلِّمه أحد يتفصد جبينه عرقًا .. قهقه في نفسه : كان هذا قبل أن أتعرّف عليه ، أمّا الآن فيكفي ضربُه لإمام المسجد الأسبوع الفائت ، ( إيييه الولد المزيون صار عربجي ! ) ..
نظر إلى يده الممسكة بالسكين وتذكّر أيّامه مع ابن جيرانهم فضحك ببلاهة وقال :
- ما لِيَدِي اليوم لا تقتل ؟ لقد أخذت حظي من الدنيا فلأقتل نفسي الآن ..

وقرّب السكين إلى حلقه ..
- لا ، لا تنفع الرحمة ، يجب عليّ أن أكون حازمًا وسريعًا في قراري ..




حازمًا وسريعًا !!
في حياته كلها لم يكن يومًا حازمًا وسريعًا ..
- ولكن اليوم غير ..

وإن قَدِمَ المنقذ غدًا ؟؟
- سأكون قد مت .




وما الفائدة ربما تستطيع أن تحيا .
- كلا ، لن يأتي أحد .
كان يحاول أن يداري شكه بالإنقاذ بإصراره على الموت ..




قرّب السكين في تردد وضعف ، فهاجس الإنقاذ قد هدّ عزمه ، لامست السكين جلده الغض واخترقته بيسر وسلاسة ، أحسّ بنار كاوية مسّته ، دمعت عيناه ، اصطكت اسنانه ، ارتعشت شفتاه ، وسال لعابه ، تردد نفسه وضاق صدره ، لم تصل السكين إلى اللحم بعد ، غرز السكين بأول طبقة من اللحم فانتفض جسده ألمًا وأحس في كل جزء منه شوكًا وإبرا ، تذكّر ملك الموت ، أيأتيه الآن ؟؟
تذكر أنه يأخذ الروح كالشوكة من الصوف ..
- نعم هاهو يأخذ روحي .. لا .. أنقذوووني .. لا أريد أن أموت الآن ..




صور كثيرة جدًا مرت أمام ناظريه ، مواقف كثيرة ، معاص لله كثيرة ، ارتجف لها جسده ، تذكّر الجنة ، وتذكر النار ، انتفضت يده وألقى السكين وجرحه الغائر ينزف دمًا ..




لا يدري لم دمعت عيناه سرورًا حين رأى الطلحة أمامه ..




قام مبتهجًا نحو السيارة ، وهو يزيح ثوبه عن ساعده ، كان منهك القوى ، ضعيف البدن ، سقط لاهثًا ، قام مرة أخرى فهوى لوجهه من شدّة الإعياء ، نظر إلى السيّارة ، وإلى قِربَة الماء عندها ، إنه يريد الوضوء ، نظر إليهما بحزن ، واسودّت الدنيا في وجهه ، وانطفأت أمنيته الأخيرة ..




ضرب الأرض بيديه ومسح بهما وجهه ، وجلس والدنيا تدور في عينيه ، ثم خرّ ساجدًا .. باكيــا ..



- ربّ اغفر لي .. رب ارحمني .. ياااارب تب عليّ وأنت التواب الرحيم .. يااارب تبت إليك وعدت إليك فاقبلني ..




وسقط على جنبه فاقدًا الوعي ، ودموعه ما تزال تنحدر ، وابتسامة وجهه تتسع ..



وتتسع ..



و تتسع ..









__________________


هل تريد أن تكون كاتبًا متميزا ؟ هل تريد مكانًا تتعلم فيه الكتابة ، تكتب فيصحح لك متخصصون في اللغة والأدب ؟ هل تجهل طرق تعلم الكتابة ؟
www.ahlalloghah.com
أبـو العبـــاس غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 04:52 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)