|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 319
|
ذكـريــات جــدتـي رحمهــا الله
أمَّا قبلُ : فإنَّ هذا الموضوع ينوبُ عن كتابتهِ قلبي عن قلمي ، أمَا ترون رقَّته؟ ، ولطف عبارته ، وصدق طويَّته ، فانظرْ إليه وأنت في حِلٍّ ! على أنْ تذوقَ مرَّ الشقاوة ، وتعرف كنْهَ المقالة.
جلستُ في محضرتي التي لا أجلسها إلا للدَّرس والقراءة ، لأنثر لكم ما أبلتْه الأيام من خواطري وأنفاسي ، فأنستْني حوادث هي خيرٌ مما أكتبه لكم ، كعقدٍ ذهَبَ جوهرهُ ، وشبابٍ أُخذ قوَّته ، إلاَّ أنَّ ثلَّةً من الفضلاء أصرُّوا إصرارًا أنْ أنثرَ الدموع ليرونها ، وأفضحَ الخواطر ليطيروا بها !. أتدرون عمَّ أُحدِّثكم؟! وأذكِّر نفسي بهِ وإيَّاكم؟! .. عن روحي التي بين جنبيَّ .. لا .. عن الدموع الخبيئةِ ، والنفوس الحزينةِ أنْ تلهج بالعويل مرَّةً أخرى ! أتعلمونَ أنَّكم بهذه الذِّكريات ستفتحون نوافذ بيتنا التي كانت فيه جدَّتي لتظهر لكم حيَّة صحيحة ، وحيَّة مريضة ، وحيَّة ميْتةً ، وميتةً !! وميتةً !! نعم. خبتْ أنوار بيتنا ، وكُفِّن باب من أبواب الجنَّة معها ، وسُلبت منَّا بركةً كنَّا نُحسُّ بها ، بموتها! .. لكن لم يمتْ أثرها الذي لمستُه بيديَّ ، وشممتُه بأنفي ، وأبصرتُه بعيني. لم يمت أثر يدها الطريَّة إذْ تمدُّها إلى موضع لحيتي وما بها شعرٌ كثيف ! ثمَّ تُقبِّلها وتقول: (يا حبيل هاللحية!). ولم يمتْ أثر أنفاسها الزكيَّة إذا قبَّلتُ جبينها فأجد كلّ حينٍ ريحها ، ولم يمت زرعها الذي سقتْه في أبي وأمِّي وإخوتي وجميع أهلي من حبٍّ وودٍّ ، فهو اليوم قد راعَ وزكى. أيَّها النَّاس ! أمَا لكم شعور وإحساس؟! ، تبتغون من وراء هذه الذِّكريات دموعًا تتذوَّقونها ، وأحزانًا تتسلَّون بها ، فما طاب لكم إذْ سمَّيتُ ابني عمِّي إثر موتهما ، فتطيب نفوسكم بعدُ في وصف جدَّتي؟! أم أضِنُّ عليها في وقتٍ أَلِفَ أقوام ألقابًا ليس لهم منها إلاَّ كهرٍّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ ، فسُمِّي التُّجار مشايخ! والمتعالمون (دكاترة)! والسفهاءُ مثقفين! والمخنَّثون فنَّانين! ووو ... فإن عقمتْ أرحام أن تلدَ مثلها ، فلتلك الألسنة أحقُّ أن تنقبضَ عن وصفها ، وتقصرَ عن بيان فضلها ومحاسنها. لطالما كنتُ أعظ البائسين ليكفُّوا عن بؤسهم ، والبخلاء عن قَتَرهم ، والفقراء عن مسألتهم ، ثم أُحدِّثهم عن التفاؤل! ، فأصبحتُ أُعرِّض بهذه الذِّكريات نفسي لأكونَ بئيساً بها ، ضنينًا بما أكتبه في حقِّها ، فقيرًا بما أتذكَّر من أخبارها. فالذِّكرياتُ يكتبها الملوك والقادة ، الذين صنعوا الأحداث ، فتجد كل كاتب منهم يُكبِّر دوره فيها ويمحو دور غيره!. أمَّا ذكرياتُ (جدَّتي) فمَن يكبر فيها ومَن يصغر؟! ، فلا أعرفها في معارك القول من فحشٍ وغيبةٍ ونميمةٍ حتى تُعرف في معارك القتال! ، إذا تحدَّثتْ تلطَّفتْ في حديثها معكَ كأنَّها تُفضي إليك سرًا ، وإذا اشتكتْ من وجعٍ نطق عنها جسدها فليس في قاموسها كلمة (أنين). آخر من قام بالتعديل الكامل; بتاريخ 02-10-2010 الساعة 08:20 PM. |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|