[أبـو العبـــاس]

،



أنا لا أحترم وجهة نظرك ..

لا أدري لماذا كُرر علينا مبدأ احترام وجهات النظر ، والاستعداد الأحمق لبذل أعمارنا في سبيل أخذ ذلك الكريه حريته في الكلام !
كتب أحدهم : نحن نكتب بقلم الرصاص احترامًا لممحاة الآخرين . قلت : ينبغي أن تكون العبارة : نحن نحفر على الصخر حتى لا يتطفل علينا الحمقى فيمسحوا ما كتبناه .
هل احترام وجهات النظر مبدأ لا إنساني يتعامل مع المشاعر والذات بآلية حيوانية ؟ أم أنه شعار براق يحمل من البرهان الشاعري الوجداني كمًا يداعب أحاسيسنا فنهتف به في بلاهة جوفاء : " نحن نحترم وجهة نظرك .. نحن نحترم وجهة نظرك " دون أن نفكر لحظة واحدة أننا نقتل بهذا إنسانيتنا المفطورة على العدوان والثقة بالنفس ؟.
أن أحاور شيء ، وأن أحترم وجهة نظر محاوري الأحمق شيء آخر .
حسنًا ربما لا يكون هذا المحاور أحمق تمامًا ، ولكن مؤكد أن رأيه وصل من الغباء والحمق إلى أبعد حد .. وإلاّ فلماذا حاورته ؟
قد يأتي من يقول : إن الاحترام هنا بمعنى أن تفسح له ليقول رأيه بكل حرية .. أنا أعرف هذا المعنى ومع ذلك لن أسمح له البتة بقول رأيه ، بل سأحارب هذا الرأي الخاطئ ، وسأبذل روحي اللطيفة الغالية في سبيل إخراس لسانه إلى الأبد .
هل هذه دكتاتورية ؟ ربما ، إن كانت كذلك فإن الدكتاتوريّة شيء جميل .
هل هي نرجسية تأليهية ؟ لا أظن ذلك فأنا لستُ من أبناء العائلات إيّاهم ! أو من أذنابهم ، ولستُ كذلك من مثقفي النوادي الأدبية الذين يقضون جلساتهم في المجاملات السخيفة .. فلذا احتمال أن أصاب بالنرجسية أقل من الصفر .
أم هي الهمجية البدائية المتجذرة في أعماق النفس النجدية ؟ ربما ، ولكن عدم احترام وجهات النظر أمر حضاري تماما ، لا يمكن أن يكون من مخلّفات البدائية المقيتة .
أيُّ حضارة أرقى من الحوار الحضاري الذي يؤمن بذات الإنسان الإنسانيّة ، وبقدرته العقلية ، وبثقته بنفسه ، وبأنفته من تسليم عقله أو حتى سمعه للأخطاء الفكرية .
إنّ الرُّقي الحضاري لا تحدده اصطلاحات شعوبٍ رأتْ أنها متحضرة ففرضت توافهها علينا ! ، إنه ما يؤمن به العاقل أنه رقي ، حتى لو اجتمع الناس على ذمِّه ، فإذا وصل الإنسان إلى هذه الدرجة من التحرر الذاتي ، والمباينة لكل ما هو مخالف لأفكاره ومرئياته فقد وصل إلى إنسانيته في أنصع وجوهها وأرقى سماواتها .

هذه وجهة نظري ، الأصلُ حين ألقيها أن أكون مقتنعا بها ، ولكن ربما هي مجرد هلوسات فلسفية أقولها لكي أُعدّ مثقفًا ! .
هل أنا مؤمن بها أو غير مؤمن ؟ هذا ليس من شأنكم ..
هل ستناقشوني ؟
لن أقبل منكم .. ولن أحترم آراءكم ..
هل ستشكروني ؟
كأني سأهتم بكم !


أبو العباس