.
.
انتَهَتْ فَترَةُ الإستِرَاحَةِ وَعَادوا لِمَقَاعِدِهم ، ثُمَّ أخرَجتنيْ لأُصَلِّيَ لأنَّهَا قَطَعَت عَليَّ الفَترَةَ التي أُصَلِّيَ فيهَا .
عُدتُ بَعدَ دَقَائِقٌ وَالأمرُ لَيسَ كَالمُعتَادْ ، هُدوءٌ يُخَيِّمُ عَلى المَكَان ، لا صوتَ ولا تَحَرُّكَات ، بل لا تَكادُ تَسمَعُ أنفَاسَ مَنْ في الفَصلْ .
حَتى المُشَارَكةُ مَعَ المُعَلِّمَة يَأتيْ بِهدوءٍ وَأكثَرَ جِديَّةٌ بَعدَ مَا كَاَنتْ قَبلَ ذَلِكَ مُشَارَكَاتهم عَشوائيَّة .
أنهَتْ المُعَلِّمَةُ الدَّرسَ قَبلَ مَوعِدَهـِ المُحَدِّد ، وَ لَمْ أسْأل مَا السَّبب !!
أتَى صَاحبيْ الذي يُصَاحِبُني بِكَثيرٍ مِنْ أمورِ حَيَاتيْ ، وَبَدأ يَجمَعُ أغرَاضي مَعي ، فَبَدأتْ تُخَاطِبُهُ المُعَلِّمة ، حَقيقَةً لا أعلَمُ أيذمون بِحَاليْ أم يَمدحون .
جَعلتُهم خَلفَ ظَهريْ لأنَّ الأمرَ قَدْ يَعنيني ، قَابَلني أحَدُ الطَّلبَة وَقَال : [ مَا المُشكِلة ] !!
قُلتُ لَهُ أنَّ المَسئول لَيسَ بِأعلمَ مِنْ السَّائل ، فَبدَأ يَلومُني وَيَصُبُّ المَلامَةَ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوب ، فَأنَا مَنْ تَسَبَّ بِذَلك وَأنَا وأنَا ، الأمرُ الذيْ لَمْ يَجعلني أملُكُ نَفسي رُغمَ كُرهها لِهَذا الشَّيء ، فَقلتُ أنَا مَنْ فَعَلَ ذَلك وَمَنْ يُريدُ شَيئَاً فَحيَّاهـُ الله .
لي صَاحِبٌ هُو الوَسيطُ بيني وَبينَ المُعَلِّمينَ في الأمورِ التي أحيَاناً لا أفهَمُهَا ، كَانَ في بيتيْ مُتَرَبِّعَاً ، يَسألُ عَنْ الجَامِعةِ كَالمُعتَاد ، رُغمَ أنَّ سُؤاله جَعلنيْ أستَنكرُ بَعضَاً مِنْ كَلامهِ ، يَقول صِفْ لي أجواءَ القَاعَةِ اليوم ؟!!
أخبرتُهُ أنَّه مِنْ أفضَلَ مَا يَكون ، تَتَعلَّمُ بِهُدوءٍ وَبَعضَ العُقولِ التي تُحِبُّ الضَجيجَ تَكونُ في سُبَاتِهَا !
فَأخبَرني أنَّ المُعَلِّمَةُ قَدْ أهَابَتهم بِيَ كَوني سَأرفَعُ قَضيَّةً للإدَارَةِ عَنْ بَعضِ السَّلبياتِ الواقِعَةِ في قَاعَتِنَا ، وَأنَا لِيَ نِيَّةٌ لِرَفعِ أورَاقٍ للسَّفَارةِ أو إدَارَةِ الجَامِعةُ بِذَلك ، لَكني سَأنظُرُ للحَالِ وَمَا يُنَاسِبُهَا في وَقتِهَا ، لَكني لَمْ أكُن أعزِمُ عَلى رَفعِ شَكوى بِالفوضويَّةِ المَوجودَةِ حَاليَّاً [ لأنَّ العَافيةُ لا تَأتي مَرَّةً وَاحِدة ] .
أُدخِلَ عِندَنَا طَالِبٌ يَأسرُ القَلبَ بِخُلقِهِ وَمظهَرَ التزِامِهِ الذي مَازِلتُ أدعو اللهَ أنْ يَرزقني شَرَفَ الإستِقَامَةِ والإلتِزَام ، وَقَدْ زَادني وجودهـ سَعاَدةً تَغمِرُ قَلبي عَلَّ اللهُ أن يَنفَعَنَا بِهِ .
أنَا عَنْ نَفسيْ شَخصٌ يُحِبُّ الرَّسميَّةَ في كَثيرٍ مِنْ شُؤونِ الحَيَاة ، وَلا أقبَلُ بِالصَّدَاقَاتِ العَشوائِّيةِ التي مَثلاً يُطلَقُ عَلى أصحَابِهَا [ اجتِمَاعيون ] ، وَسُرعَانَ مَا أُحِبُّ وَقَليلٌ مَا أكرَهـ ، وَحيَاتيْ أُريدُهَا عَلى مَا أُريدُ لا أن يَفرِضهَا أحدٌ أو يُملِيهَا عَليَّ .
كَانَ هَذا الطَّالِبُ الوَحيد الذيْ طَمأنةُ نَفسيَ بِوجودِهـِ ، سَلَّمتُ عَليهِ وَدَعوتُهُ لِكأسٍ بَسيطٍ لا يَقومُ مَقَامَهُ مِنْ شَاي أو قَهوة .
غَريبٌ ولا يَعرِفُ أحَداً ، وَيُقَابِلُهُ مَنْ هو مِنْ لَهجَتِهِ إن لَمْ يَكُن مِنْ نَفسِ مَدينَتِه ، ذَهبَتِ اللَّحظَاتُ سَريعَاً وَلم نَتَبَادَلْ سِوى التَّحَايا والتَّرحيبِ بِبعضِنَا .
دَخلنَا القَاعَة ، كَانَ المُعَلِّمُ مِنْ العَزيزينَ عَليَّ ، كانَ مَرِحَاً مَعَ أخينَا الجَديدُ بِشَكلٍ غَريبٍ ، يَسمَعُ مِنهُ ، وَيَتَصَبَّرُ عَلى تَعتَعتِهِ بِكلامِهِ وَتصفيفِ حُروفِهِ .
سَألَهُ هَلْ لَكَ أصِدِقَاء ؟!! فَأَِشارَ إليَّ ، وَيسألُني المُعَلِّمُ هَلْ أنتَ صَديقه ؟!! فَقُلتُ ضَاحِكَاً لا لَستُ صَديقه ، فَتَبَسَّمَ المُعَلِّمُ لأنَّهُ يَعلمُ الكَثيرَ عَنْ طَبيعَةِ حَاليْ ، وَطَمئَنَ الطَّالِبُ أنَّ مَا بينَنَا مُجَرَّدُ مَزحٍ ، وَسيَعرِفُني قَريبَاً .
مِنْ غَدٍ تَغَيَّرَ حَالُ هَذا الطَّالِبِ تَغَيُّرَاً جَذريَّاً مَعيْ ، في طَريقَةِ سَلامِهِ ، وَمَا يَضطرُّنَا لِتَبَادُلِ الكلامِ مَعَ بَعضِنَا .
لَمْ أجعَلُ الأمرَ شَيئَاً ذو قيمَةٍ عنديَ ، فَأنَا لَستُ أعيشُ عَلى أعمَارِ غَيري ، إنَّمَا لي حَيَاةٌ أعيشُهَا ، وَمَسَاكينٌ هُم مَنْ يَعتَقِدونَ أنَّ النَّاسَ قَدْ وَقفَتْ حَياتهم عَليهم ، رُغمَ هَذا مَا زَالَ بِقلبي حُبَّاً له .
أنَا بِطَبيعَةِ حَاليْ ، مَا يشرَحهُ المُعَلِّمُ أكتُبُهُ بِجَهازي ثُمَّ أطبَعهُ وَأُوزِّعُهُ عَليهم ، سَلّمتهُ بَعضَ الدُّروسِ الفَائِتَةُ عَليهِ ، لَكِنَّهُ أجَابَني بِأن لا حَاجَةَ لَهُ بِهَا !!
جَعلتُ مَا بيني وَبينَهُ صَداقَةً رَسميَّة ، لو لَمْ يَكُن السَّلامُ عِبَادةٌ لمَا سَلَّمتُ عَليهِ .
أحسَسْتُ أنَّهُ مُتَضَايقٌ كَثيراً ، عَفواً لَيسَ مُتضَايق بَلْ مُضَايقٌ نَفسَهُ كَثيرَاً .
في إحدى الحِصَصِ كَانَ هُنَاكَ خِلافٌ بَينَ الطُّلابِ في مَعنى إحدى الكَلِمَات ، فَفتَحتُ القَاموسَ وَأخرَجتُ مَعنَاهَا ، فَنَطقَ يَسبُّ فيَّ وَكأنيَ وَحدي بِالقَاعة .
أَنَا أصمُتُ كَثيرَاً عَنْ بَعضِ المَواقِفِ ، لَكِنَّ رَدَّاً وَاحِدَاً مَِني يَكفيْ عَنْ رُدودِ سَنة ، إذا الصَّبرُ نَفد مني ، فَاستلمتُ فيهِ مَا حَدَا بِالمعلمِ أنْ يَتَدَخَّل .
لَمَّا خَرجَنَا أتى يَقول : [ إنَّ مَا بيني وَبينكَ ، هو بِسَببِ أحدِ الطُّلابِ هُنَا قَالَ ليْ أنَّهم لَيسوا مرتاحينَ لك ]
قَومٌ كَأنَّهم في الصفوفِ التَّمهيدية ، قَالَ لي وَقُلتُ له !!
ولا يَعلَمُ أنَّ وجودَهُم عندي كَعَدَمِهم 
كَتَبتُ عَلى عَجَلٍ
عُذرَاً على التَّأخير سَأعودُ لأكمِلَ [ بِإذنِ اللهِ ]
.
.
__________________
إِنَّ دَمْعيْ يَحْتَضر ، وَ قَلبيْ يَنْتَظِرْ ، يَا شَاطِئَ العُمرِ اقْتَرِبْ ، فَمَا زِلْتَ بَعيدٌ بَعيدْ
رُفِعتْ الأشْرِعَة ، وَبدتْ الوُجوهـُ شَاحِبَةْ ، وَدَاعَاً لِكُلِّ قَلبٍ أحببنيْ وَأحبَبْتُهُ ..!!
يَقول الله سُبحَانَهُ [اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ]!!
يَا رَب إِنْ ضَاقَتْ بِيَ الأرجَاءُ فـ خُذْ بِيَديْ ..!
آخر من قام بالتعديل قاهر الروس; بتاريخ 12-02-2009 الساعة 05:47 AM.
|