النـَّزق هو الطيش , والطغيان مجاوزة الحد , والعبث فعل المرء إذا لم يحسن التصرف وهو السفيه , واللامبالاة شبق في السلوك المتعجرف بلا رادع يردع صاحبه , وكلما وجدنا شخصًا فيه خِصلة من هذه الخصال كان محور حديثي هذا .
الرجل الملتزم دينيًا منذ بواكير حياته ثم انتكس , ورجل منتكس ثم التزم دينيًا , ذان صنفان قلما يؤمن جانبهما , ففيهما العطب , والسم الناقع , والويل والثبور على من يتعامل معهما , فالأول يحل محل حب من فيه الصلاح والخير بادية على وجوههم إلى كره مفرط , و محبة انتقام ولو بالقلم , لا يحبهم , ولا يأنس بقربهم , بل يهجرهم مليًّا ويندد بما عليه من خير , وهذا النوع ظاهر لمن يريد أن يحتاط منه , فتراه جزَّ لحيته , وطول ثوبه , وربما وقع في تعاطي المعبر عنها بالمشروبات الروحية , فلا خطر منه لمن كان حذرًا .
الصنف الثاني هو الذي كان مسرفًا على نفسه متهتكًا , ثم انضوى إلى زمرة الملتزمين أو المتدينين كما نسميهم , ولعل عمر بن عبد العزيز ومالك بن دينار – رحمهما الله – أول خارج عن زمرتهم في رأيي , أما البقية فالحديث فيهم خِصب لا ينقطع فيه الكلام أبدًا .
لن أقف على كثير ممن عرفتهم في بدايات حياتهم اللاهية , ولكنني وجدت بعضهم قد بالغ في تصحيح مساره فرمى بجسده سريعًا على مؤسسة حكومية دينية تعمل بموجب القانون ( عفوًا النظام ) , وهي التي تسمى بالدولة داخل دولة , إنه في التي كانت تدعى قديمًا بـ ( شركة صلوا ) .
رجال الهيئة هؤلاء فيهم الخير الكثير , ولهم إسهامات على سنن ( صلوا هداكم الله ) , ومثل ( الصلاة يا عبد الله ) , قد لا يختلف عنهم من يكثر في حديثه الجاري من تلك الأقوال : ( بارك الله فيك , جزاك الله خيرًا , نسأل الله لك التوفيق , أثابك الله يا أُخيّ . . . ) هذا في حال الرضا , أما في حال الغضب ( يا عدو الله , أيها الكافر , يا عدو نفسه , قاتلك الله حيثما كنت , أنت حداثي ملحد , وعلماني جاسوس , وزنديق متهتك . . . ) .
ألسنة كثير من رجال الهيئة تفوح منها هذه المصطلحات , ومتشبعة بأقذع منها , بل قابلة بأن توجد مالا يخطر على سمع بشر , ولو كان المشتبه به إمام مسجد لسوء حظه , فلا فرق عندهم في حال الغضب بين عدو لله , متعربد مؤذٍ لله ولعباده , وبين طاهر تقي نقي , بل يأخذون على الظُّنة بلا تريث , سيما إذا كانت ألسنتهم مزدحمة بتلك الألفاظ النابية والتكفيرية , ولم تجد كافرًا من أن تفرغ في وجهه تلك الشحنات المتربصة بالانفجار , ومعاقلهم في مراكزهم قد عانت من عدم السكنى لأيام .
هذا هو الخلل في هذه المؤسسة , كثير من رجالها كانوا بالأمس مطاردين من رجالها , واليوم انظموا إليها بقدرة قادر , نعم ؛ هؤلاء يعرفون مكامن الجريمة بموجب شهادة الخبرة الطويلة ( السوابق ) التي يحملونها من ماضيهم الأغبر المنحرف , لكن بأسهم شديد , يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو , وما كان هذا سبيل العادلين قطُّ .