من يفتش في الشعر العربي يجده مليئًا بالغزل , فكأن المرأة هي ملهمة الشعراء بعد الاستعانة بالجن على حد زعمهم , بل قد تطور هذا الغزل ليدخل في مرحلة حرجة , حيث نحى نحوًا لم يكن العربي يتوقعه , إذ ظهر التغزل بالمذكر , وهو ما يسمى بغزل الغلمان .
من المعروف أن الغانية تهوى الرقص على الغناء الغزلي , إذ لا يُطرب في الليالي الحمراء إلا كل شعر غزلي , فكان أن تحدثت المرأة بعشقها على لسان أولئك الشعراء , فقد أجاد عمر بن أبي ربيعة حين ابتدع فن الحوار في الشعر , حيث يكثر في شعره من قوله : قالت لي . . . قلت لها . . . .
إن من العجب أن نجد الفتاة تهيم في الشعر الغزلي , فكأنها قائلته , على أن الشاعرات الغزليات قليلات جدًّا , لكن الفتيات إذا سمعن بيتًا غزليًّا رحن يرددنه بحرقة وألم , وليت شعري كيف يظهر هذا الحزن والجزع من شعر شاعر بينما لا يقدرن على أن يصغن بيتًا واحدًا يعبر عن شوقهن وصبابتهن ؟ !
أعتقد أن الحياء في البنات هو من يجبرهن على ألا يقلن شعرًا غزليًّا , فقد اعتادت المرأة أن يبحث الرجل عنها , وأن يناجيها مناجاة القريب الذي يود الاقتران بها , واعتادت كذلك أن يخطبها الرجل وقلما خطبت لنفسها , فهي مطلوبة , وفي قرارة نفسها طالبة لولا العرف والعادة !
كم كان بودي لو أن البنات كنّ يجدن بشعر غزلي , حيث يرحن ناثرات العشق على مسامع الرجال , ويخطبن ودهم , ويبحثن عن رضاهم , فلا ريب عندي أن الحال سينقلب رأسًا على عقب , حيث نجد تمنع الرجال , ونجد صدق مقولة : " يتمنعن وهن الراغبات " .