صِرَاعُ الثَّقَافَاتْ ، انْهِزَاميَّةٌ أمْ ثَبَاتْ !!
.
.
صِرَاعُ الثَّقَافَاتْ ، انْهِزَاميَّةٌ أمْ ثَبَاتْ !!
إِنَّ مَنْ يَعيِشُ بَيْنَ أَحْضَانِ صَفحَاتِ القُرَآنِ ، وَيَملَئُ قَلبَهُ الإيمَانْ ، لَيَرَى بَيَانَاً رَبَّانيّاً وَنَصَّاً قُرآنيَّاً يَحكيْ عَنْ اخْتلافِ الأُمَمِ ، وَ بِاختلافِ الأُمَمِ تَختَلِفُ ثَقَافَاتُهَا وَمُعتَقدَاتُهَا وَسِيَاسَةُ المَعيشَةِ التيْ يَسيرونَ عَليْهَا ، فَليسَتْ ثَوابِتٌ فَقَطْ ، إنَّمَا مَجَالاَتٌ اجتِمَاعيَّةٌ تَرْسِمُ الهَدَفَ في الحَيَاة .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات
إنَّ اختِلاف الأُمم لَتَصْنَعُ صِرَاعاً بَيْنَ ثَقَافَاتِهَا مَعَ غَيْرِهَا ، لِتُصَدِّرَ ولا تَسْتَورِد مِنْ غَيرِهَا ، وَ هَذهِـ الصَّرِاعَاتُ لَتَصْنَعُ في الأمَمِ إمَّا قُوَّةً في ثَبَاتِهَا وَيَقينَاً في مُعتَقَدَاتِهَا ، وَإِمَّا تَصنَعُ فِيهَا انْهِزَاميَّةٌ وَضَعفٌ قَدْ يُفِقدُهَا يوَمَاً ما هَويَّتُهَا الثَّقَافيَّة .
ولا أَعْظَمَ ولا أسْمَى مِنْ ثَقَافَةٍ تُؤخَذُ مِنْ مَعينِ الشَّريعَةِ الإسلاميَّةِ الصَّافيَةِ الطَّاهِرَة ، التَيْ تَأتيْ بِكلامٍ رَبَّانيٍّ أو حَديثٍ نَبَويٍّ وَأقوالُ عُلمَاءَ أجِلاَّء ، وَثَقَافَةُ الإسلامِ ثَقَافَةً نَزيهَةٍ كَتَبَتْهَا عُقولٌ مِنْ المَصَالِحِ الشَّخصيَّةِ ومَلَذَّاتِ الهَوى والشَّهواتِ مُتَجَرِّدَة ، إِذْ تَحفَظُ للنَّفسِ قَدْرَهَا ، وَ لا تَبْخَسُ للحَيَاةِ حَقَّهَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ في سَبيلِ مَرضَاةِ اللهِ سُبحَانَهُ وَتعَالَى .
وَمَا أجمَلَ الثَّقَافَةَ التيْ جَاءَتْ بِهَا الرِّسَالَةُ المُحمَّدية ، لِتسْعَى بِالمُجتَمَعَاتِ للرُّقيْ بِالأَخْلاَقِ وَ مَبْدَأ السَّلامِ وَ الاحتِرَامْ ، مِنْ بَيْنِ بِضْعَةِ كَلِمَاتٍ صَنعَت الشَّريعَةُ حَقَّاً لِكُلِّ فِئَةٍ تَعيشُ في أَحْضَانِ المُجتمَعَاتِ ، لِتَكونَ عَادِلَةً في إركَازِ عَمَادُهَا { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا} .
إنَّ العُقولَ المُؤمِنَة في هَذا الزَّمَنْ لأصبَحتْ في حَالٍ يُرثَى لَهَا ، بِدَايَةً في تَكوينِهَا وَقنَاعَاتِهَا ، وَوقوفَاً عِندَ تَوَجُّهَاتِهَا وَأَهْدَافِهَا ، وَإنَّ مَنْ يَرَى في مَيْدَانِ صِرَاعِ الثَّقَافَاتِ ، لَيَجِدُ أنَّ حَالَنَا واللهُ المُستَعَانُ عُقولٌ مُسْتَورِدَةٌ لِثَقَافَاتِ الغَيْرِ ، لا مُصَدِّرينَ لِثَقَافَاتِنَا ، مَعْ أنَّ ثَقَافَاتَ دِينِنَا أسمَى مِنْ تِلكَ الثَّقَافَاتِ الغَربيَّةِ المُصَدَّرَةِ إليْنَا ، وَالمُحزِنُ هُو تَلَقِّيْ هَذهِـ الثَّقَافَاتُ بِدونِ تَحليلٍ وَتَجريدٍ لِلمَغزَى مِنْ هَذهِـ الثَّقَافاتْ ، والتيْ قَدْ تَكونُ هَدمَاً لِثوَابِتَ تُقوِّمُنَا ، وَ تَعريَةً لِمُروءَةً تَرَبِّينَا عَليْهَا ، وَ زَعزَعَة لأركَانِ عَادَاتٍ تُنْشِئُهَا المُجتمَعَاتُ المُحَافِظَة .
وَأغلَبُ الثَّقَافَاتْ على اختِلافِ الأمَمِ المُحيطَةِ بِنَا ، مُوجَّهةٌ إلَيْنَا ، لأنَّ العَالمَ أجمَعْ أنَّ إسْقَاطَ ثَقَافَةِ الدِّينِ الإسلاميْ هُو الهَدَفُ الوحيد الذيْ بِهِ يُؤملونَ بِنَاءَ عُمرٍ أطولْ لِثَقَافَاتِهمْ .
لَسْنَا بِحَاجَةٍ أنْ نُزيلَ اللِّثَامَ عَمنْ هُمْ حَولَنَا ، وَثَقَافَاتِهْم التيْ رُبَّما لا تَتَعَدَّى شَهواتُهم ، وَإنْ ادَّعوا بِذَلِكَ حُرِّيَاتُهم ، فَحُرِّيتُهم ، في لِبَاسِهْم وأكلِهم وَ قَضَاءِ وطَرِهمْ ، أمَّا بِنَاءُ حَيَاتِهم ، وَجمعِ أمْوالِهمْ ، وَتربيَةُ أبنَائِهم ، لَيسَتْ حُريَّةً سُمِحَ لَهُم بِذلَك .
وَمِنْ المُؤسِفِ أنْ تَكونَ ثَقَافَاتُ الإسلاِمِ أشْبَهَ بِعَبَثِ مُرَاهِقٍ عَلى حَائِطٍ مَرَّ بِهِ فيْ طريقِهِ ، لا هُوَ الذيْ حَسَّنهُ ، ولا بِالذيْ تَرَكَهُ على حَاله ، جُلُّ هَمِّهِ أنْ يُشوِّههُ بِتَصَرُّفه .
إِنَّ بِتَمثِيلِ ثَقَافَاتِ الإسلامِ تَمثِيلاً صَحيحَاً ، وَتَصديرُهَا لِمَنْ يَجْهَلونَهَا ، لَيَأخُذُ بِأيديْ جُهَّالٍ مِنْ ظُلمَاتِ الجَهْلِ إلى نُورِ الهِدَايَةِ وَالبَصيرَة ، وَمَا أجمَلَ أنْ نَكونَ دُعَاةً مُبَلِّغينَ لِثَقَافاَتِ دِينِنَا في تَعامُلاتِنَا ، وَأعمَالِنَا اليَوميَّةِ ، وَمُخَالَطَتِنَا لِغَيرِنَا ، عَلَّنَا نُبَلِّغُ شَيئَاً مِنْ ثَقَافاتِ الإسلامِ وَخُلُقِهِ ، وَنَمْتَثِلَ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلام : [ بَلِّغوا عني وَلو آيَة ] الحَديث .
وَلَو لَمْ تَختَلِفُ الثِّقَافَاتُ لَمَا عُرِفَ الحَقُّ مِنْ البَاطِلْ ، كَمَا لو أنَّ دُنيَانَاً لَيْلاً سَرمَدَاً إلى يَومِ القِيَامَةِ لَمَا عَرفْنَا حَقيقَةَ النُّورِ { وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } الزخرف
حَمدَاً للهِ عَلى نِعمَةِ الإسلام ، وَنعِمَةِ الإيمَانْ ، وَنعِمَةِ السَّيرِ على خُطى الحَبيبِ النبِّي الإمِامْ .
أخيرَاً فَمَا كَانَ مِنْ صَوابٍ فَمِنْ اللهِ وَمَا كَانَ مِنْ خَطا فَمِنْ نَفسيْ والشَّيطَان
عُذرَاً عَلى الإطَالَةِ ورَكَاكة الأسلوب
دُمتم بِحفظِ الرَّحمنِ وَرِعَايَتهِ
.
.
__________________
إِنَّ دَمْعيْ يَحْتَضر ، وَ قَلبيْ يَنْتَظِرْ ، يَا شَاطِئَ العُمرِ اقْتَرِبْ ، فَمَا زِلْتَ بَعيدٌ بَعيدْ
رُفِعتْ الأشْرِعَة ، وَبدتْ الوُجوهـُ شَاحِبَةْ ، وَدَاعَاً لِكُلِّ قَلبٍ أحببنيْ وَأحبَبْتُهُ ..!!
يَقول الله سُبحَانَهُ [اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ]!!
يَا رَب إِنْ ضَاقَتْ بِيَ الأرجَاءُ فـ خُذْ بِيَديْ ..!
|